قوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ، يعني : محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، وبما ذا يشهد عليهم؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : بأعمالهم ، قاله ابن عباس ، وأبو سعيد الخدريّ ، وابن زيد. والثاني : بتبليغهم الرّسالة ، قاله قتادة ، ومقاتل. والثالث : بإيمانهم ، قاله أبو العالية. فيكون على هذا «عليكم» بمعنى : لكم. قال عكرمة : لا يسأل عن هذه الأمّة إلا نبيّها.
قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) ، يريد : قبلة بيت المقدس. (إِلَّا لِنَعْلَمَ) فيه أربعة أقوال : أحدها : لنرى. والثاني : لنميز. رويا عن ابن عباس. والثالث : لنعلمه واقعا ، إذ علمه قديم ، قاله جماعة من أهل التّفسير وهو يرجع إلى قول ابن عباس : «لنرى». والرابع : أنّ العلم راجع إلى المخاطبين ، والمعنى : لتعلموا أنتم ، قاله الفرّاء.
قوله تعالى : (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ، أي : يرجع إلى الكفر ، قاله ابن زيد ، ومقاتل.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) ، في المشار إليها قولان :
أحدهما : أنه التّولية إلى الكعبة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل.
والثاني : أنها قبلة بيت المقدس قبل التّحوّل عنها ، قاله أبو العالية ، والزجّاج.
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ، نزل على سبب :
(٥٤) وهو أنّ المسلمين قالوا : يا رسول الله ، أرأيت إخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
والإيمان المذكور هاهنا أريد به : الصّلاة في قول الجماعة. وقيل : إنّما سمى الصّلاة إيمانا ، لاشتمالها على قول ونيّة وعمل. قال الفرّاء : وإنما أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين ، والمعنى : فيمن مات من المسلمين قبل أن تحوّل القبلة لأنهم داخلون معهم في الملّة. قوله تعالى : (لَرَؤُفٌ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : «لرؤوف» على وزن : لرعوف ، في جميع القرآن ، ووجهها : أن فعولا أكثر في كلامهم من فعل ، فباب ضروب وشكور ، أوسع من باب حذر ويقظ. وقرأ أبو عمرو وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر ، عن عاصم : «لرؤف» على وزن : رعف ، ويقال : هو الغالب على أهل الحجاز. قال جرير :
ترى للمسلمين عليك حقا |
|
كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم |
والرؤوف بمعنى : الرّحيم ، هذا قول الزّجّاج ، وذكر الخطّابيّ عن بعض أهل العلم أن الرّأفة أبلغ الرّحمة وأرقّها. قال : ويقال : الرّأفة أخصّ ، والرّحمة أعمّ.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤))
____________________________________
(٥٤) صحيح. أخرجه أبو داود ٤٦٨٠ والترمذي ٢٩٦٤. وأحمد ١ / ٩٥ ـ ٣٠٤ والطيالسي ٢٦٧٣ وابن حبان ١٧١٨ والحاكم ٢ / ٢٦٩ من حديث ابن عباس وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي وفي سماك بن حرب كلام ، لكن توبع عليه ، حيث ورد معناه من حديث البراء المتقدم برقم ٥٢.