اليهود ، قاله مقاتل. والثالث : جميع العرب ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
وفي (أَمْ) قولان : أحدهما : أنها بمعنى : بل ، تقول العرب : هل لك عليّ حقّ ، أم أنت معروف بالظّلم. يريدون : بل أنت. وأنشدوا :
بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح |
ذكره الفرّاء والزّجّاج. والثاني : أنها بمعنى الاستفهام. فإن اعترض معترض ، فقال : إنما تكون للاستفهام إذا كانت مردودة على استفهام قبلها ، فأين الاستفهام الذي تقدّمها؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه قد تقدّمها استفهام ، وهو قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، ذكره الفرّاء ، وكذلك قال ابن الأنباريّ : هي مردودة على الألف في : (أَلَمْ تَعْلَمْ) ، فإن اعترض على هذا الجواب ، فقيل : كيف يصح العطف ولفظ : (أَلَمْ تَعْلَمْ) ينبئ عن الواحد ، و (تُرِيدُونَ) عن جماعة؟ فالجواب : أنه إنما رجع الجواب من التوحيد إلى الجمع ، لأن ما خوطب به النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقد خوطبت به أمّته ، فاكتفى به من أمّته في المخاطبة الأولى ، ثم أظهر المعنى في المخاطبة الثانية. ومثل هذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (١). ذكر هذا الجواب ابن الأنباريّ.
فأما الجواب الثاني عن (أَمْ) ؛ فهو أنها للاستفهام ، وليست مردودة على شيء. قال الفرّاء : إذا توسّط الاستفهام الكلام ؛ ابتدئ بالألف وبأم ، وإذا لم يسبقه كلام ؛ لم يكن إلا بالألف أو ب «هل». وقال ابن الأنباريّ : «أم» جارية مجرى «هل» ، غير أن الفرق بينهما : أن «هل» استفهام مبتدأ ، لا يتوسّط ولا يتأخّر ، و «أم» : استفهام متوسّط ، لا يكون إلا بعد كلام.
فأما الرسول ها هنا : فهو : محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والذي سئل موسى من قبل قولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (٢) ، وهل سألوا ذلك نبيا أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : أنهم سألوا ذلك ، فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى ...) (تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٣) ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم بالغوا في المسائل ، فقيل لهم بهذه الآية : لعلّكم تريدون أن تسألوا محمّدا أن يريكم الله جهرة ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
والكفر : الجحود. والإيمان : التّصديق. وقال أبو العالية : المعنى : ومن يتبدّل الشدة بالرّخاء. وسواء السبيل : وسطه.
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩))
قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ؛ في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٣٤) أحدها : أن حييّ بن أخطب ، وأبا ياسر كانا جاهدين في ردّ الناس عن الإسلام ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عبّاس.
____________________________________
(٣٤) ضعيف. أخرجه الطبري ١٧٩١ عن ابن عباس ، وفيه محمد بن أبي محمد ، شيخ ابن إسحاق ، وهو مجهول.
__________________
(١) الطلاق : ١.
(٢) النساء : ١٥٣.
(٣) الإسراء : ٩٠ ـ ٩٢.