(٣٥) والثاني : أن كعب بن الأشرف كان يهجو النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ويحرّض عليه كفار قريش في شعره ، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين قدمها ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالصّفح عنهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله عبد الله بن كعب بن مالك.
(٣٦) والثالث : أن نفرا من اليهود دعوا حذيفة وعمّارا إلى دينهم ، فأبيا ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل.
ومعنى (وَدَّ) : أحبّ وتمنّى. و (أَهْلِ الْكِتابِ) : اليهود. قال الزّجّاج : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) موصول : ب (وَدَّ كَثِيرٌ) ، لا بقوله : (حَسَداً) ، لأن حسد الإنسان لا يكون إلا من عند نفسه.
والمعنى : مودّتهم لكفركم من عند أنفسهم ، لا أنه عندهم الحق. فأما الحسد : فهو تمنّي زوال النّعمة عن المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، وتفارقه الغبطة ، فإنها تمنّي مثلها من غير حبّ زوالها عن المغبوط. وحدّ بعضهم الحسد ، فقال : هو أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الأخيار ، ولا يجوز أن يكون الفاضل حسودا ، لأن الفاضل يجري على ما هو الجميل. وقال بعض الحكماء : كل أحد يمكن أن ترضيه إلا الحاسد ، فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتك. وقال الأصمعيّ : سمعت أعرابيا يقول : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد ، حزن لازم ، ونفس دائم ، وعقل هائم ، وحسرة لا تنقضي. قوله تعالى : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) ، قال ابن عباس : فجاء الله بأمره في النّضير بالجلاء والنّفي ، وفي قريظة بالقتل والسّبي.
فصل : وقد روي عن ابن عباس وابن مسعود ، وأبي العالية ، وقتادة رضي الله عنهم : أن العفو والصّفح منسوخ بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) (١) ، وأبى هذا القول جماعة من المفسّرين والفقهاء ، واحتجّوا بأن الله لم يأمر بالصّفح والعفو مطلقا ، وإنما أمر به إلى غاية ، وما بعد الغاية يخالف حكم ما قبلها ، وما هذا سبيله لا يكون من باب المنسوخ ، بل يكون الأول قد انقضت مدّته بغايته ، والآخر يحتاج إلى حكم آخر.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠))
قوله تعالى : (تَجِدُوهُ) ، أي : تجدوا ثوابه.
____________________________________
(٣٥) مرسل. أخرجه أبو داود ٣٠٠٠ والواحدي في «أسباب النزول» ٥٢ من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه ، ورجاله رجال الشيخين إلّا أنه مرسل.
(٣٦) لا أصل له. ذكره الزمخشري في «الكشاف» ١ / ١٧٩ ، وقال الحافظ في تخريجه : لم أجده مسندا ، وهو في تفسير الثعلبي كذلك بلا سند ولا راو.
ـ قلت : عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ابن سليمان حيثما أطلق ، وهو كذاب. وخبره هذا لا أصل له.
__________________
(١) التوبة : ٢٩.