استحلال ، وهو أعظم ، كما روي أن رجلا قال لمحمد بن سيرين : إنّي قد اغتبتك فحلّلني فقال : إنّي لا أحلّ ما حرّم الله تعالى. وروى عقيل عن ابن شهاب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّما كرهت أن تقوله لأخيك في وجهه ثم قلته من ورائه فقد اغتبته» (١). (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) هذا الأصل ثم من خفّف قال : ميتا (فَكَرِهْتُمُوهُ) قال الكسائي : المعنى فكرهتموه فينبغي أن تكرهوا الغيبة. وقال محمد بن يزيد : أي فكرهتم أن تأكلوه فحمل على المعنى مثل : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) [الشرح : ١].
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) عامّ والذي بعده خاص لأن الشعوب والقبائل في العرب خاصّة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) روى عبد الرحمن في العرب خاصة قيل: يا رسول الله من خير الناس؟ قال : «من طال عمره وحسن عمله»؟ (٢) وقالت درّة : سئل النبيّ صلىاللهعليهوسلم : من خير الناس؟ قال : «أمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرّحم وأتقاهم» (٣) قال ابن عباس : ترك الناس هذه الآية : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وقالوا : بالنسب. وقال أبو هريرة : ينادي مناد يوم القيامة إني جعلت نسبا وجعلهم نسبا. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ليقم المتّقون فلا يقوم إلّا من كان كذلك.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤)
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) قال محمد بن يزيد : هذا على تأنيث الجماعة أي قالت جماعة الأعراب (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) والإسلام في اللغة الخضوع والتذلّل لأمر الله جلّ وعزّ والتسليم له والإيمان والتصديق بكلّ ما جاء من عند الله جلّ وعزّ فإذا خضع لأمر الله سبحانه وتذلّل له فهو مصدّق ، وإذا كان مصدّقا فهو مؤمن ، ومن كان على هذه الصفة فهو مسلم مؤمن إلّا أن للإسلام موضعا أخر وهو الاستسلام خوف
__________________
ـ مشكاة المصابيح (٤٨٧٤) ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ١ / ١٧٢ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٣ / ٥١١ ، وابن أبي حاتم الرازي في علل الحديث (٢٤٧٤).
(١) أخرجه مالك في الموطأ باب ٤ ـ الحديث (١٠).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه (٢٣٢٩) ، وأحمد في مسنده ٤ / ١٨٨ ، و٥ / ٤٠ ، والدارمي في سننه ٢ / ٣٠٨ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٣٧١.
(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ٤ / ٤٧.