(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤١)
(لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ويقال : يحزنك ، والأول أفصح. (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أي لم يضمروا في قلوبهم الإيمان كما نطقت به ألسنتهم. (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) يكون هذا تمام الكلام ثم قال جلّ وعزّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي هم سمّاعون ومثله (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) [النور : ٥٨]. وقال الفراء (١) : ويجوز سمّاعين وطوّافين كما قال : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) [الأحزاب : ٦١] وكما قال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) [الطور : ١٧] ثم قال (فاكِهِينَ) [الطور : ١٨] و (آخِذِينَ) [الذاريات : ٢٦] ويجوز أن يكون المعنى : ومن الذين هادوا قوم سمّاعون للكذب. (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) ثم قال : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي يتأوّلونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك وعرفوا مواضعه التي أرادها الله عزوجل (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) أي إن أعطيتم هذا الذي قلنا لكم فاقبلوه. (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) أي إن نهيتم عنه (فَاحْذَرُوا) أن تقبلوه ممن قال لكم فإنه ليس بنبيّ يريدون أن يروا ضعفتهم أنّهم ينصحونهم. (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي لم يرد اللهعزوجل أن يطهّر قلوبهم من الطبع عليها والختم كما طهر قلوب المؤمنين ثوابا لهم.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٤٢)
(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (٢).
على التكثير. والسّحت في اللغة كلّ حرام يسحت الطاعات أي يذهبها ، وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع أكّالون للسّحت (٣) بفتح السين ، وهذا مصدر من سحته يقال : سحت وأسحت بمعنى واحد ، وقال أبو إسحاق (٤) : سحته ذهب به قليلا قليلا.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ١ / ٣٠٩.
(٢) قرأ النحويان وابن كثير (السّحت) بضمتين ، وقرأ باقي السبعة بإسكان الحاء.
(٣) انظر البحر المحيط ٣ / ٥٠١ ، وهذه قراءة زيد بن علي أيضا.
(٤) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٦٦٢.