تعالى لا يفعل القبيح «لثبوت الأمرين على إنه لو جازت عليه الحاجة لما جاز ان يفعل القبيح» (١) ، لأنه يقدر من جنسه من الحسن «على» (٢) ما لا يتناهى. إلا ترى أن المخير بين الصدق والكذب مع تساوي الغرض قد بينا انه لا يختار الكذب مع جواز الحاجة إليه لأنه يستغني عنه بالحسن الذي هو الصدق ، وكذلك القديم لا قبيح إلا وهو يقدر من جنسه من الحسن على ما لا يتناهى ، فلا يجوز أن يختاره مع علمه بقبحه.
والقديم تعالى لا يريد القبائح ، على وجه. لأنه لا يخلو أن يريده لنفسه ، أو بإرادة قديمة ، أو محدثه. وقد بينا انه ليس بمريد لنفسه ، ولا بإرادة قديمة فبطل ذلك. ولو أراده بإرادة محدثه لكان هو الفاعل لها ، لأنه لا يقدر أن يفعل إرادة (٣) لا في محل سواه. ولو كان هو الفاعل لها لكان فاعلا للقبيح ، لأن إرادة القبيح قبيحه. بدلالة أن من علمها إرادة القبيح علم قبحها ، ومن لم يعلمها كذلك لم يعلم قبحها ، وذلك يؤدي الى أن يكون فاعلا للقبيح ، وقد دللنا على انه لا يجوز ان يكون فاعلا للقبيح على حال.
وأيضا ، قد ثبت بلا خلاف أنه ناه عن القبيح ، وقد بينا (٤) أن النهي لا يكون نهيا إلا بكراهية المنهي عنه ، ولو كان مريدا
__________________
(١) العبارة ساقطة من أوب.
(٢) ساقطة من ب.
(٣) في أوب : إلا.
(٤) في فصل (اثبات صانع العالم وبيان صفاته).