الجهل ، والكذب ، والعبث. فلو لا أن طريق ذلك العقل لما وجب شمول العلم لجميع العقلاء ، ولكان يقف على من علم صحة السمع. وفي علمنا باشتراك جميع العقلاء من موحد ، وملحد ، ومقر بالنبوات ، وجاحد لها في العلم بذلك ، دليل على أن طريق ذلك العقل.
وقولهم : أنهم علموا ذلك لمخالطتهم العقلاء من أهل الشرع ، باطل ، لأنه لو كان كذلك لعلموا قبح كل ما علمه أهل الشرع ، من قبح شرب الخمر ، والزنا ، وغير ذلك. وفي العلم بالفرق بينهما دليل على فساد ما قالوه.
ومتى قالوا : إن العقلاء لا يعملون ذلك ، أو يعتقدونه اعتقادا ليس بعلم ، لزمهم أن يقولوا لا يعلمون المشاهدات أيضا. لأن من الناس من قال طريق ذلك السمع ، ولزم عليه قول السوفسطائية ، وأصحاب العنود (١) ، في نفيهم العلم بشيء من الأشياء ، ونسبتهم ذلك كله إلى الظن والحدسيات (٢). وذلك باطل بالاتفاق.
فأما الذي (٣) يدل على انه تعالى قادر على القبيح ، فهو ما ثبت من كونه خالقا لكمال العقل ، والعلم بالمشاهدات ومن شأن القادر على
__________________
(١) أصحاب العنود : لقب يطلق على السوفسطائية المنكرين للواقع الخارجي الموضوعي ، المستقل عن ذاتنا ، والقائلين بان إدراكاتنا لا تستند الى واقع مستقل عنا ، وانما هي من عمل الذات. ومن عندنا.
(٢) في ح : الحسنات.
(٣) في أوب : فالذي.