جسما لأدى الى كونه محدثا أو كون الاجسام قديمة ، وكلا الأمرين فاسد. وأيضا لو كان جسما لما صح منه فعل الأجسام كما لا يصح منا على ما مضى القول فيه ، والعلة في ذلك كونها اجساما ، وقد دللنا على انه فاعل الأجسام ، فبطل كونه جسما. ولا يجوز وصفه بأنه جسم مع انتفاء حقيقة الجسم عنه ، لأن ذلك نقض اللغة ، لأن أهل اللغة يسمون الجسم ما له طول وعرض وعمق ، بدلالة قولهم هذا أطول من هذا ، اذا زاد طولا ، وهذا أعرض من هذا إذا زاد عرضا ، وهذا أعمق من هذا إذا زاد عمقا ، وهذا أجسم من هذا إذا جمع الطول والعرض والعمق ، فعلم بذلك ان حقيقة الجسم ما قلناه ، وذلك يستحيل منه تعالى ، فلا يجوز وصفه بذلك.
وقولهم (١) إنه جسم لا كالأجسام مناقضه ، لأنه نفي لما اثبت بعينه ، لأن قولهم جسم يقتضي ان له طولا وعرضا وعمقا ، فاذا قيل بعد ذلك لا كالاجسام اقتضى نفي ذلك بعينه فيكون مناقضه (٢). وليس قولنا : شيء لا كالاشياء مناقضه ، لان قولنا شيء لا يقتضي أكثر من انه معلوم ، وليس فيه تجنيس ، فاذا قلنا لا كالاشياء المحدثة لم يكن في ذلك مناقضه.
وقوله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٣) معناه استولى عليه لما
__________________
(١) هذه مقولة الاشاعرة ، فانهم في الوقت الذي نفوا عنه تعالى التشبيه ، التزموا بأن له وجها لا كالوجوه ، ويدا لا كالأيدى ، حفاظا على ظاهر الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه العناوين.
(٢) في ح : مناقض.
(٣) سورة طه : ٥.