قلنا : الأشعري لم يدفع حاجة البناء إلى بان ، ولا الكتابة الى كاتب ، وإنما قال فاعلها هو الله دون العبد ، ونحن لم ندع العلم بحاجة هذه الافعال الى الفاعل المعين (١) ، بل ادعينا حاجتها الى صانع ما في الجملة ثم هل هو القديم أو الواحد منا ، موقوف على الدليل. ودليله هو انه يجب وقوع هذه الأفعال بحسب دواعينا وأحوالنا ، ويجب انتفاؤها بحسب صوارفنا ، وكراهتنا ، فلو كانت متصلة (٢) بغيرنا لما وجب ذلك ، كما لا يجب ذلك في طولنا وقصرنا وخلقنا ، وهيئاتنا ، لما لم تكن متعلقة بنا ، فالوجوب الذي اعتبرناه يبطل تعلقها بغيرنا.
فان قيل : ما أنكرتم ان يكون ذلك بالعادة ، دون ان يكون ذلك واجبا؟
قلنا : ذلك فاسد من وجهين :
احدهما : ان ذلك يبطل الفرق بين الواجب والمعتاد ، فيؤدي الى انه لا فرق بينهما ، وإن يقول قائل انتفاء «البياض بالسواد» (٣) بالعادة ، وحاجة العلم الى الحياة بالعادة ، وغير ذلك من الواجبات ، فبأي شيء تفرقون (٤) بينهما فهو فرقنا بين ان يكون ذلك واجبا
__________________
والضرورة بين الأمور الطبيعية ، كالنار الاحراق ، والتتابع انما هو بمحض جريان العادة والقانون الإلهي.
(١) في ح فاعل معين.
(٢) في ح : متعلقة.
(٣) في (ب) و (ح) (السواد بالبياض).
(٤) في (ب) وح فرقوا.