وانما قلنا ان مجرد النفع لا يكفي في إيجاب الفعل لأن النوافل لا يحسن إيجابها وإن كان في فعلها ثواب لأنه لم يكن في الاخلال بها ضرر ، وكذلك المكاسب والتجارات لا يحسن إيجابها لمجرد النفع ويحسن ذلك إذا كان في تركها ضرر.
وهذا ليس بجيد ، لأن لقائل ان يقول : إنه يكفي في حسن الايجاب وجه وجوب الأفعال ، لأنه تعالى بالايجاب علمنا (١) وجوب الأفعال علينا ، وإنما تجب علينا لوجه وجوبها فالايجاب إنما حسن لهذه الوجوه بأعيانها فأما جعل الفعل (٢) شاقا فبازائه الثواب. والإيجاب إنما حسن لوجه الوجوب والنوافل إنما لم يحسن إيجابها لأنه ليس لها وجه وجوب كما ان للواجبات وجه وجوب معقول يجب لأجلها نحو كونها ردا للوديعة وقضاء للدين ، وما أشبه ذلك ، والتجارات مثل النوافل لا وجه لوجوبها فلذلك لم يحسن ايجابها ، والواحد منا وإن أوجب على غيره ما ليس له وجه وجوب نحو ان يهدده بالقتل إن لم يدفع ماله إليه فيجب عليه الدفع وإن لم يكن له وجه وجوب إنما كان كذلك لأنه لم تثبت حكمته ، والحكيم تعالى لا يحسن منه إيجاب ما ليس له وجه وجوب ، فبان الفرق بينهما.
فان قيل : لو لم يستحق العقاب لكان مغرى بالقبيح مع حصول شهوته وإنما ينزجر لمكان العقاب ، والذم لا ينزجر به العقلاء حتى
__________________
(١) ب ، ح : فعلمنا.
(٢) أ : الواجب.