قادر ليعلم انه قادر على عقابه وثوابه ويعلم انه عالم ليعلم انه عالم بمبلغ المستحق ويعلمه حكيما ليعلم انه لا يخل بواجب من الثواب ، ولا يفعل القبيح من عقاب غير مستحق.
فاللطف (١) في الحقيقة هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب إلا انه لا يتم ذلك إلا بعد معرفته تعالى على صفاته فوجبت (٢) معرفته على صفاته ، ولما كانت معرفته لا يوصل إليها إلا النظر (٣) وجب النظر. والمعرفة الضرورية لا تقوم في ذلك مقام الكسبية لأنها لو قامت مقامها لفعلها في الكافر ، ونحن نعلم ان كثيرا من الكفار يموت على كفره ، فعلم ان الضرورية ليست لطفا. ومن ادعى ان الكفار عارفون كابر ، لأن المعلوم ضرورة موت كثير من الخلق كأبي جهل وأبي لهب على كفرهم. وأيضا كان يجب ان يفعل فينا ونحن نعلم من أنفسنا أنا لسنا مضطرين الى معرفة الله فبطل ان تكون الضرورية لطفا ، وقيل انها لو كانت لطفا لكانت الكسبية آكد ، لأن من تكلف مشقة ليبلغ بها غرضا لا يكون تمسكه بذلك الشيء إذا وصل إليه كتمسكه إذا حصل له الشيء من غير مشقة. وشبه ذلك من تكلف بناء دار وانفق عليها ماله وافنى زمانه لا يكون في تمسكه بها كمن وهبت له تلك الدار وكذلك من سافر في طلب العلم وتحمل المشاق لا يكون حكمه في التعلم حكم من تقصده العلماء ويقعدون قدامه والعلم بذلك ضروري ،
__________________
(١) أ ، ب : واللطف.
(٢) في الاصل : وجبت.
(٣) ب ، ح : بالنظر.