والنظر لا يولد الجهل ، لأنه لو ولده لقبح النظر كله ، لأن ما يؤدي إلى القبيح قبيح ، وقد علمنا حسن كثير من الانظار. وإنما قلنا يؤدي الى ذلك لأن الناظر لا يفصل بين النظر المؤدي الى العلم وبين النظر المؤدي الى الجهل ، وكان ينبغي ان يقبح ذلك كله.
والتقليد قبيح في العقول ، لأنه لو كان صحيحا لم يكن تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد مع ارتفاع النظر ، ولا يمكن ان يرجح قول الأكثر أو قول من يظهر الورع والزهد لأن جميع ذلك يتفق في المحق والمبطل وقد استوفينا ذلك في أول الكتاب.
وأيضا فلو حسن التقليد لقبح اظهار المعجزات على أيدي الأنبياء لأنها كانت تكون عبثا لأن التقليد على هذا المذهب جائز من دونها.
فان قيل : كيف يكلف الله المعرفة وهي تجري مجرى الحدس والتخمين لأن الناظر لا يدري ان نظره يولد علما أو غيره ، وإنما يعلم بذلك بعد حصول العلم.
قيل (١) : إذا علمنا حسن النظر ، بل وجوبه ، علمنا إنه لا يثمر جهلا فنأمن من (٢) عاقبته ان تكون غير محموده ، ولو قدح ذلك في وجوب المعرفة لقدح في كل نظير والمعلوم خلافه وبمثله نجيب من قال كيف يجب علينا ما لا نعرفه ولا نميزه بان نقول : تمييز السبب ومعرفته تغني عن تمييز المسبب على التفصيل ، والعاقل يميز النظر فكان
__________________
(١) أ ، ب : قيل له.
(٢) سقطت من أ ، ب.