وإنما قلنا في التكليف أنه تعريض للثواب ، لأنه لا يخلو أن يكون فيه غرض أو لا غرض فيه. فان لم يكن فيه غرض كان عبثا ، وذلك لا يجوز عليه تعالى. وإن كان فيه غرض لم يخل أن يكون الغرض نفعه أو مضرته ، ولا يجوز ان يكون الغرض مضرته لأن ذلك قبيح ، فلم يبق الا ان يكون غرضه نفعه.
وينبغي ان يكون ذلك النفع مما يستحق بالتكليف ، ولا يمكن الوصول إليه إلا بالأفعال التي يتناولها التكليف ، لان الابتداء بالثواب لا يحسن ، لانه يقارنه تعظيم وتبجيل ، والمعلوم ضرورة قبح ذلك لمن لا يستحقه. ولا يمكن استحقاق الثواب الا بما تناوله التكليف من واجب أو ندب. فعلى هذا متى حسن التكليف وجب ، لان المكلف متى تكاملت شروط تكليفه في وجوه جميع التمكين ، وجعل الفعل (١) شاقا عليه ، وكان متردد الدواعي وزال عنه الالجاء ، وجب تكليفه ، ومتى نقص بعض هذه الشروط قبح تكليفه ، لانه لو لم يكلفه لكان اما مغريا بالقبيح أو عابثا ، وكلاهما لا يجوز (٢) عليه.
بيان (٣) ذلك : انه اذا كان تعالى قادرا على اغنائه بالحسن عن القبيح ، فلم يفعل ، وأحوجه بالشهوات المخلوقة فيه ، والتخلية بينه وبينه ، فان لم يكن له غرض كان عابثا ، وان كان فيه غرض فلا
__________________
(١) في أوب : القول.
(٢) في ح : لا يجوزان.
(٣) في ب وح : يبين.