الرابع : البدن جوهر حار رطب. والحرارة اذا أثرت فى الرطوبة ، لزم أن تصعد من الجوهر الرطب أجزاء بخارية لطيفة. فعلى هذا التقدير لا بدّ أن يرتفع عن كل عضو أجزاء بخارية لطيفة. وربما التصق بعضو آخر وصار جزأ لذلك العضو الآخر. فاذن هذا الجزء الواحد قد كان جزءا لأحد العضوين. ثم صار للعضو الآخر ، ففى زمان الحشر لو أعيد ذلك الجزء الى العضو الأول ، ضاع العضو الثانى. ولو أعيد الى العضو الثانى ، لضاع العضو الأول. ولما كان القول بالحشر متأديا الى هذا الباطل ، وجب أن يكون باطلا.
والجواب عن الشبهة الأولى : أن نقول : أما الذين قالوا : ان الانسان هو هذا الهيكل ، فلا جواب لهم عن هذه الشبهة ، الا ببيان أن اعادة المعدوم غير ممتنعة. ونحن قد أحكمنا الكلام فى هذه المسألة.
وأما الذين قالوا : الانسان ليس هو هذا الهيكل ـ وهذا هو الأقرب ـ فقد احتجوا عليه بوجهين ـ أوردنا هما فيما تقدم ـ
أحدهما : ان الانسان شيء واحد باق من أول عمره الى آخر عمره. وهذا الهيكل غير باق من أول العمل الى آخره. فالانسان شيء مغاير لهذا الهيكل.
والثانى : ان الانسان قد يكون عالما بذاته المخصوصة ، حال ما يكون غافلا عن جميع أجزائه الظاهرة والباطنة. والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم.
واذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يقال : ان الشيء الّذي هو الانسان فى الحقيقة أجزاء لطيفة سارية فى هذا البدن ، باقية من أول العمر الى آخره. اما لأجل أن تلك الأجسام اللطيفة مخالفة بالماهية لهذه الأجسام العنصرية الكائنة الفاسدة المتحللة ـ وتلك الأجسام حية لذواتها مضيئة شفافة ، فلا جرم كانت مصونة عن التبدل والتحلل ـ