واما لأنها وان كانت مساوية لهذه الأجسام العنصرية فى الماهية ، الا أن الفاعل المختار صانها عن التغير والانحلال بقدرته ، وجعلها باقية دائمة من أول العمر الى آخره.
ثم عند الموت تنفصل تلك الأجزاء الجسمانية التى هى الانسان ، وتبقى على حالتها حية مدركة عاقلة فاهمة. وتتخلص اما الى منازل السعداء. كما قال الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ، بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [آل عمران ١٦٩] وأما الى منازل الأشقياء. كما قال الله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر ٤٦] ثم انه تعالى يضم يوم القيامة الى هذه الأجزاء الأصلية التى هى الانسان فى الحقيقة ، أجزاء أخر زائدة كما فعل ذلك فى الدنيا ، ويوصل الثواب والعقاب إليه. وعلى هذا التقدير لا يبقى فى المعاد الجسمانى شبهة واشكال أصلا البتة.
وعلى هذا التقدير يكون المثاب والمعاقب فى القيامة ، عين من كان مطيعا وعاصيا فى الدنيا. وهذا على القول بأن الانسان جسم مخصوص ، سار فى هذا البدن. وأما على قول من يقول : الانسان عبارة عن جوهر مجرد عن الحجمية والمقدار ، فالقول فيه أيضا هكذا. فظهر أن على هذا التلخيص ، لا تبقى شبهة البتة ، فى صحة القول بالمعاد الجسمانى.
فان قيل : ألستم قد دللتم على أن كل ما سوى الله تعالى ، فانه يفنى ويصير معدوما. وعلى هذا التقدير ، فالنفس الانسانية أيضا تفنى وتعدم. وحينئذ يعود الاشكال.
قلنا : نحن قد أثبتنا بالدليل العقلى : أن كل ما سوى الله تعالى فانه جائز العدم. أما أن هذا الجائز يقع ، فانا انما عولنا فيه على ظواهر العمومات. وتخصيص العموم بالدليل جائز ، وثبت بنصوص