فلا يكون الخلاء عدما ، بل مقدارا. والمقدار اما أن يكون عبارة عن نفس الجسم ، أو عن صفة قائمة بالجسم. فثبت : أنه لو فرض الخلاء حاصلا ، لما كان خلاء ، بل كان ملاء. فاذا فرض الخلاء يفضى ثبوته الى نفيه ، فكان القول به باطلا.
الحجة الثانية لهم : لو فرضنا الخلاء ، لكانت الحركة فيه اما أن تقع فى زمان ، أو لا فى زمان. والقسمان باطلان ، فبطل القول بالخلاء.
انما قلنا : ان الحركة فيه يمتنع وقوعها فى زمان. وذلك لأن المتحرك فيه كلما كان أرق كانت المعاوقة فيه أقل ، فكانت الحركة فيه لا محالة أسرع. واذا ثبت هذا ، فلنفرض مائة ذراع من المسافة ، ولنفرض أنها لو كانت خلاء ، لتم قطعها فى ساعة واحدة ، ولو كانت ملاء من الهواء ، لتم قطعها فى عشر ساعات. فاذا فرضنا ملاء أقل معاوقة من الهواء ، بحيث تكون نسبة معاوقته الى معاوقة الهواء ، كنسبة زمان الحركة فى الخلاء الى الحركة فى الهواء ، لزم أن يقع قطع تلك المسافة المملوءة من ذلك الملاء الرقيق فى ساعة واحدة ، فتكون الحركة فى الملاء مثل الحركة فى الخلاء ، فتكون الحركة مع المعاوق ، كهى لا مع المعاوق. وذلك محال. فثبت : أنه لو صح القول بالخلاء ، امتنع وقوع الحركة فيه فى زمان.
وانما قلنا : انه يمتنع وقوع الحركة فى الخلاء لا فى زمان ، لأن كل حركة فهى على مسافة وكل مسافة منقسمة. واذا كان كذلك كانت الحركة الى نصفها متقدمة على الحركة من نصفها الى آخرها. ومتى كان كذلك ، كانت الحركة واقعة فى الزمان. فثبت بما ذكرنا : أن الحركة فى الخلاء ، اما أن تحصل فى زمان ، أو لا فى زمان. وثبت فساد هذين القسمين ، فثبت القطع بأن القول بوجود الخلاء محال باطل.