الحجة الثالثة لهم : لو فرضنا الخلاء ، لكان ذلك الخلاء متشابه الأجزاء ، واذا كان الأمر كذلك ، امتنع أن يبقى الجسم فيه ساكنا ، لأن بقاءه فى حيز معين مع كونه مشابها لسائر الأحياز ، ترجيح لأحد المتساويين على الآخر من غير مرجح.
ويمتنع أيضا : أن يبقى الجسم فيه متحركا ، لأن الانتقال من أحد الحيزين الى الحيز الآخر ، تخصيص للمنتقل عنه بالهرب ، وللمنتقل إليه بالطلب. وذلك أيضا ترجيح لأحد المتساويين على الآخر من غير مرجح. وهو محال.
لا يقال : لم لا يجوز أن يقال : ان الفاعل المختار يخصص الجسم ببعض تلك الأحياز(٨) على التعيين لمجرد القصد والاختيار. لأنا نقول : اذا كانت الأحياز متساوية من جميع الاعتبارات والوجوه ، كانت نسبة القدرة والإرادة الى كلها على السوية. فلو اقتضت القدرة والإرادة تخصيص ذلك الجوهر ببعض تلك الأحياز دون البعض من غير مرجح أصلا ، كان ذلك ترجيحا لأحد المتساويين على الآخر من غير مرجح. وهو محال.
والجواب عن الأول : لا نسلم أن نفس الخلاء يقبل التقدير والمساواة والمفاوتة ، بل الشيء الّذي يمكن حصوله فى الخلاء ، تثبت له (٢) هذه الأحكام مثلا. ولا نقول : الخلاء الّذي بين طرفى الطاس أقل من الخلاء الّذي بين طرفى البلد ، بل نقول : الأجسام التى يمكن حصولها بين طرفى الطاس ، أقل من الأجسام التى يمكن حصولها بين طرفى البلد.
__________________
(٨) الأحياز بعض البعض لمجرد : ب
(٢) يقبل هذه : ب