البتة. وذلك لأن
التمسك بالدلائل النقلية ، موقوف على مقدمات عشر ، كل واحدة منها ظنى ، والموقوف
على الظنى أولى بأن يكون ظنيا.
أما المقدمة الأولى : فهى أن التمسك بالدلائل اللفظية موقوف على معرفة اللغات.
واللغات منقولة برواية الآحاد لا بالتواتر. فان رواة اللغات جمع معينون من الأدباء
، ك «الخليل» و«الأصمعى» وغيرهما. ولا شك أنهم ما كانوا معصومين. ومثل هذه الرواية
لا يفيد الا الظن.
والمقدمة الثانية : ان التمسك بالدلائل النقلية ، موقوف على صحة النحو ، لأن
باختلاف الاعرابات تختلف المعانى. والنحو منقسم الى أصول ثبتت بالرواية ، والى
فروع تثبت بالأقيسة. أما الأصول المثبتة بالروايات فهى منقولة برواية الآحاد (وروايات
الآحاد) لا تفيد الا الظن.
وأيضا : فالبصريون
والكوفيون يكذب بعضهم بعضا ، ويطعن بعضهم فى بعض. وأما الفروع المثبتة بالقياس ،
فلا شك أنها فى غاية الضعف. فثبت : أن (دلالة) الكل مظنونة لا معلومة.
المقدمة الثالثة : ان التمسك بالدلائل النقلية موقوف على عدم الاشتراك فى
الألفاظ. لأن بتقدير حصول الاشتراك فى الألفاظ ، فلعل مراد الله من هذه الآية أو
من هذا الخبر ، غير ما عرفناه وتصورناه ، بل معنى آخر. فاذن تعيين هذا المعنى ،
يتوقف على نفى الاشتراك.
المقدمة الرابعة : ان التمسك بالدلائل النقلية موقوف على وجوب حمل اللفظ على
حقيقته لا على مجازه. والمجازات كثيرة. فلم يكن حمل اللفظ على بعضها أولى من حمله
على البقية. وقولنا : الأصل فى الكلام هو الحقيقة مقدمة ظنية.
المقدمة الخامسة : ان هذا التمسك موقوف على نفى الحذف والاضمار. لأن تجويزه يفضى
الى انقلاب النفى اثباتا والاثبات نفيا.