المقصود منها اظهار تصديق زكريا لا اظهار كرامة مريم ، لكان ذكر زكريا عند ذكر هذه الخوارق ، أولى من ذكر مريم. ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أن المقصود منها اكرام مريم لا تصديق زكريا.
الحجة الثانية : ان الله تعالى أبقى أصحاب الكهف ثلاث مائة سنة وأزيد فى النوم ، أحياء من غير آفة. وهم ما كانوا من الأنبياء ، فوجب أن يكون هذا من باب الكرامات.
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : ان ذلك معجزة لبعض الأنبياء. وان كنا ما عرفناهم؟ قلنا : هذا باطل من وجهين :
الأول : ان تلك الأحوال لو كانت معجزة للأنبياء ، لما جاز اخفاها. لكنهم اجتهدوا فى اخفائها. حيث قالوا : (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (الكهف ١٩).
والثانى : هو أن بقاء قوم مدة ثلاث مائة سنة أحياء ، لا يمكن أن يصير معلوما للخلق. وما لا يمكن أن يصير معلوما للخلق ، لا يمكن جعله معجزة دالة على صدق مدعى النبوة. فثبت : أن هذا لا يصلح أن يكون معجزة ، فلم يبق الا أن يكون كرامة.
الحجة الثالثة : ان تشريف الله تعالى عبده بمعرفته ومحبته ، أعظم وأعلى من إعطائه رغيفا فى المفازة أو سقيه شربة من الماء. واذا لم يبعد الأول ، كيف يبعد الثانى؟
واحتج المنكرون بوجوه :
الحجة الأولى : ان تجويز الكرامات يفضى الى القول بالسفسطة. لأنا اذا جوزنا الكرامات ، فلعل الله تعالى قلب الجبل ياقوتا ، كرامة لبعض الأولياء. ولعله جفف البحر كرامة ، لولى ثان. ولعله خلق هذا الانسان الشيخ فى هذه الساعة ، كرامة لولى ثالث. وقس عليه. ومعلوم أن تجويزه يفضى الى الجهالات.