العادات ، وحضور الرزق عندها من غير سبب ظاهر ، من خوارق العادات. وانها ما كانت من الأنبياء ، فوجب أن يقال : أن تكون هذه الوقائع من كرامات الأولياء.
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : ان تلك الخوارق كانت معجزات لنبى ذلك الزمان ، وهو زكريا عليهالسلام؟ قلنا : هذا باطل لوجوه :
الأول : ان المعجزة لا بدّ أن تكون أمرا ظاهرا للمنكرين. حتى يمكن الاستدلال بها على المنكر ، وظهور جبريل عليهالسلام لمريم ، وحبلها من غير ذكر ، ما كان يطلع عليه أحد ، الا مريم. فكيف يمكن جعل هذه الأشياء معجزة لزكريا عليهالسلام؟
ثانيها : ان عند ظهور المعجز لبعض الأنبياء ، لا بدّ أن يكون الرسول حاضرا ، ولا بد أن يكون القوم حاضرين ، حتى يتمكن ذلك الرسول من الاستدلال بذلك المعجز ، وفى الوقت الّذي كان يقول جبريل عليهالسلام لمريم : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ، تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (مريم ٢٥) ما كان زكريا حاضرا هناك ، حتى يستدل بظهور هذه الخوارق على نبوة نفسه ، بل ما كان أحد من البشر هناك حاضرا ، بدليل قوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ، فَقُولِي : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (مريم ٢٦) فبطل القول بأن هذه الأشياء معجزة لزكريا عليهالسلام.
ثالثها : ان حصول المعجز لا بد أن يكون بالتماس الرسول. وكان زكريا عليهالسلام غافلا عن كيفية حدوث هذه الأشياء. بدليل قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ ، وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ : يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران ٣٧) فدل هذا على أن ذلك ما كان معجزة لزكريا عليهالسلام.
ورابعها : انه تعالى ذكر هذه الخوارق فى معرض تعظيم حال مريم ، ولم يذكر معها ما شعر بجعلها معجزة لأحد من الأنبياء. ولو كان