يكون المراد منه تشديد الملك بالمال والعسكر ، مع كونه حراما من طريق الدين ، لأن ذلك من صفات ملوك الكفرة ، لا من صفات الأنبياء والرسل.
والخامس : قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (ص ٢٠) والحكمة اسم جامع لكل ما ينبغى علما وعملا ، فكيف يجوز أن يقول الله : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) مع اصراره على ما يستنكف عنه أخبث الشياطين ، من مزاحمة أصحابه فى الزوج وفى المنكوح؟
أما الّذي بعد القصة. فأمور :
أحدها : قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص ٢٦) وهذا من أجل المدائح وأعظم المناصب ، فلو توسط بين أول القصة ـ وفيه تلك المدائح ـ وبين آخرها ـ وفيه ذكر المعصية ـ لجرى مجرى من يقول : فلان عظيم الدرجة فى الدين ، وعالى المرتبة فى طاعة الله ، يقتل ويزنى ويلوط ويسرق ، وقد جعله الله خليفة لنفسه ، وأمر الكافة(١٩). بالاقتداء به ، ولما لم يكن هذا الكلام لائقا بأحد من العقلاء ، فهو بأن لا يكون لائقا بكلام الله تعالى أولى.
والثانى : قوله (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) مرتب على ذكر تلك القصة. وذلك مشعر بأنه انما وجد هذه الخلافة ، بسبب هذه القصة. لأن أصحاب أصول الفقه يقولون : ترتيب الحكم على الفعل مشعر بتعليل ذلك الحكم بذلك الفعل. وهذا يقتضي أن الله تعالى انما فوض إليه خلافته فى الأرض ، لأجل أنه أقدم على الزنى والقتل. وذلك لا يقوله عاقل.
والثانى : ان داود عليهالسلام قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ ، لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (ص ٢٨) فاستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات عن هذا الحكم ،
__________________
(١٩) وأمر أكابر أنبيائه : ب