قلنا : ليس الأمر كذلك ، بل نقول : ان دلالة المعجزة على التصديق أمر معلوم بالضرورة. والمقصود من ذكر المثال : التنبيه على صدق قولنا : ان هذا الشيء معلوم بالضرورة. لا أنا نقيس صورة على صورة. فهذا غاية الكلام فى هذا الدليل.
وأما منكرو النبوة فقد احتجوا بوجوه :
الشبهة الأولى : قالوا : التكليف باطل ، فالبعثة أيضا باطلة.
أما المقدمة الأولى : ـ وهى أن التكليف باطل ـ فقد احتجوا عليه بوجوه :
الأول : ان الجبر حق ، فالتكليف باطل. انما قلنا : ان الجبر حق. وذلك لأنا بينا فى مسألة خلق الأفعال : أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. واذا كان الأمر كذلك ، فحال ما خلق الله تعالى تلك الأفعال ، لا يتمكن العبد من ترك الفعل ، وحال ما لا يخلقها فيهم ، لا يتمكن من الفعل. فثبت : أن على هذا التقدير لا يكون العبد قادرا البتة لا على الفعل ولا على الترك.
وانما قلنا : انه لما كان الجبر حقا كان التكليف باطلا ، لأنا نعلم ببداهة العقل : أن من قيد يدى الانسان ورجليه بالقيود الشديدة ، ثم ألقاه من شاهق جبل ، ثم يقول له : قف فى الهواء ، والا عذبتك عذابا شديدا مؤيدا ، فان هذا مستقبح فى بداهة العقل ، ولو أنه كلف الأعمى بنقط المصاحف ، وكلف المفلوج أن يطير فى الهواء ، فجميع العقلاء يدركون قبح ذلك فى بداهة عقولهم ، ويقطعون بأن هذا لا يليق بأحكم الحاكمين. فثبت بما ذكرنا : أن الجبر حق ، وثبت أنه متى كان الجبر حقا ، كان التكليف باطلا.
الثانى : ان البارى ـ سبحانه وتعالى ـ عالم بجميع المعلومات. والشيء الّذي حصل التكليف به ، اما أن يكون معلوم الوقوع أو معلوم