ذلك الوجه ، لكان التقصير من المكلف ، حيث جزم لا فى موضع الجزم. وكذا هاهنا انه تعالى اذا أظهر المعجزة على وفق الدعوى فى حق الكاذب ، فهو وان كان يوهم أن المراد منه تصديق ذلك المدعى ، الا أنه يكون المراد : القاء هذه الشبهة حتى يحترز المكلف منها ، فيعظم ثوابه بسبب الاحتراز عن هذه الشبهة. واذا كان هذا محتملا ، فلو قطع المكلف بأن الغرض منه : تصديق المدعى ، لكان التقصير منه لا من الله تعالى ، حيث قطع لا فى موضع القطع.
واعلم : أنه لا جواب على أصول المعتزلة عن هذه المعارضة.
والوجه الثانى فى الجواب عن هذا السؤال :
انا نقدم على ذكر المقصود مقدمة ، فنقول : ان الشيء قد يكون جائز الوقوع فى نفسه ، ومع ذلك فانا نعلم علما ضروريا أنه غير واقع ، ألا ترى أنا نجوز دخول شخص فى الوجود من غير أبوين ، ونجوز أن يدخل فى الوجود شيخ هرم ، من غير سبق الطفولية والشباب والكهولة ، ثم انا اذا أبصرنا انسانا شيخا ، علمنا بالضرورة : أنه متولد من الأبوين ، وأنه كان طفلا ثم صار شابا ثم صار شيخا. وكذا القول فى جميع الأمور العادية.
اذا عرفت هذا فنقول : انا قد بينا : أن دلالة المعجزة على أن خلق المعجز لصدق المدعى ، معلوم بالضرورة. كما ضربنا من المثال فى اظلال الجبال. أقصى ما فى الباب : أن يقال عنه : يجوز أن لا تكون المعجزة مخلوقة لغرض آخر وهو الاطلال. الا أنا نقول : ان الشيء اذا علم وجوده بالضرورة ، لم يكن تجويز نقيضه ، يقدح فى ذلك العلم الضرورى. كما بيناه فى هذه المقدمة.
وأما قوله سادسا : «إنكم أثبتم الحكم فى الشاهد بالدوران ، ثم قستم الغائب عليه».