فهل يمكن للإنسان المجرّد عن العقل أن يتّبع القول الجيّد عن القول الرديء؟!
كلاّ لا يمكن له أن يميّز بينهما ، فهنا الله تبارك وتعالى أعطى قيمة للعقل في تشخيص أحسن القول حتّى لا يلوّث النفس ويوبقها ويرديها ; لأنّ النفس أمّارة بالسوء ..
فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «ولمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال : أقبِل. فأقبَل ، ثمّ قال : أدبِر. فأدبَر ، ثمّ قال : وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك إلاّ في من أحبّ ، أما أنّي إيّاك أنهي وإيّاك أُعاقب وإيّاك أُثيب» (١).
نرى في هذا الحديث ، ومن قوله (عليه السلام) : «أقبل فأقبل ... فأدبَر» ، أنّ العقل يطيع أوامر الله تعالى بصورة فطرية وطبيعية ; لأنّ أوامر الله منطقية وطبيعية ولا تخالف الفطرة ، وإنّ الإطاعة صفة غريزية في العقل وهذا معنى الفطرة ، وبه أتمّ الله الحجّة على عباده ، وذلك لقوله تعالى : (إنّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دون ذلك لمَن يشاء ومَن يُشركْ بالله فقد افترى إثماً عظيماً) (٣).
وترى في الحديث السابق عبارة أُخرى ، وهي : «ولا أكملتك إلاّ في مَن أُحبّ».
أي : إنّ الله لا يكمل العقل إلاّ في مَن أحبّه ، وهنا سؤال ، وهو : كيف يمكن الحصول على هذه المحبّة؟
في الإجابة عليه يمكن القول : إنّ الطريق الوحيد للوصول إلى هذه
____________
(١) الكافي ١ / ٨ ح ١.
(٢) سورة النساء ٤ : ٤٨.