ومن تناقضات أصحاب السقيفة وتلاعبهم في الدين ، أنّهم كفّروا مخالفي استخلاف أبي بكر ومانعيه من التسلّط على رقاب المسلمين وعلى الأموال العامّة ـ كالزكاة ـ وحكموا بإسلام عائشة وطلحة والزبير وأصحاب الجمل ، الّذين نكثوا بيعة عليّ عليه السلام وقاموا بمحاربته ، وقالوا : بأنّهم تأوّلوا واجتهدوا وأخطؤوا ..
وكذلك حكموا بإسلام معاوية وأهل الشام القاسطين في محاربتهم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وقالوا : بأنّهم اجتهدوا وتأوّلوا وأخطؤوا ..
وكذلك حكموا بإسلام خالد بن الوليد مع استحلاله لقتل مالك بن نويرة وقومه ـ كما سيأتي بيانه ـ مع بقاء مالك وقومه على إسلامهم وإيمانهم ، واستباحة خالد التزويج بزوجة مالك ..
فلماذا لا يُحكم بكفر وردّة أبي بكر وأصحاب السقيفة ، الّذين أنكروا النصّ على خلافة عليّ عليه السلام ، وخالفوا عهد الله ورسوله في الوصية؟!
حكى ابن أبي الحديد عن السـيّد المرتضى في الشافي قول الجاحظ : «وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف ، وحدب الوامق ومِقة المحقّ» (١).
وقال ابن أعثم : «ثمّ تكلّم الأشعث بن قيس فقال : يا معشر كندة! إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة ، والزموا بلادكم وحوّطوا حريمكم وامنعوا زكاة أموالكم ؛ فإنّي أعلم أنّ العرب لا تقرّ بطاعة بني تميم بن مرّة وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيره ، فإنّها لنا أجود ، ونحن لها أجرى وأصلح من غيرنا ؛ لأنّا ملوك من قبل أن يكون على وجه الأرض
____________
(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٦٤.