قال ابن أعثم ـ عند ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ـ : «فلمّا فرغ أبو بكر من حرب أهل البحرين ـ وسيأتي أنّ عصيانهم هو لأبي بكر وخلافته ـ عزم على محاربة أهل حضرموت من كندة ، وذلك أنّ عاملهم زياد بن لبيد الأنصاري كان ولاّه عليهم النبيّ صلى الله عليه وآله ، كان مقيماً بحضرموت يصلّي بهم ويأخذ منهم ما يجب عليهم من زكاة أموالهم ، فلم يزل كذلك إلى أن مضى رسول الله صلى الله عليه وآله لسبيله وصار الأمر إلى أبي بكر ، فقال له الأشعث بن قيس : يا هذا! إنّا قد سمعنا كلامك ودعاءك إلى هذا الرجل فإذا اجتمع الناس إليه اجتمعنا.
قال له زياد بن لبيد : يا هذا! إنّه قد اجتمع المهاجرون والأنصار.
فقال له الأشعث : إنّك لا تدري كيف يكون الأمر بعد ذلك.
قال : فسكت زياد بن لبيد ولم يقل شيئاً ، ثمّ قام إلى الأشعث بن قيس ابن عمّ له يقال له : امرؤ القيس بن عابس من كندة ، فقال له : ياأشعث! انشدك بالله وبإيمانك وبقدومك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إن نكصت أو رجعت عن دين الاِسلام ، فإنّك إن تقدّمت تقدّم الناس معك ، وإنّ هذا الأمر لا بُدّ له من قائم يقوم به فيقتل مَن خالف عليه ، فاتّق الله في نفسك ؛ فقد علمت ما نزل بمَن خالف أبا بكر ومنعه الزكاة» (١).
ويظهر من هذا النصّ التاريخي أنّ أصحاب السقيفة قد حكموا بالكفر والردّة على مجرّد مخالفة تنصيب أبا بكر وعدم تمكينه من الزكاة ، وهذا التكفير والحكم بالردّة هو بنفسه وبدوره سبباً لتطوّر مخالفة خلافة أبي بكر إلى التشكيك في الدين والرجوع حقيقه عنه.
____________
(١) كتاب الفتوح ١ / ٤٥.