الغيوب : (إنّي خالقٌ بشراً من طين * فإذا سوّيْتُهُ ونفخْتُ فيه من روحـي فقعوا له ساجدين * فسجدَ الملائكةُ كلّهم أجمعونَ * إلاّ إبليس) (١) اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصّب عليه لأصله ، فعدوّ الله إمام المتعصّبين ، وسلف المتكبّرين ، الذي وضع أساس العصبية ، ونازع الله رداء الجبرية ، وادّرع لباس التعزّز ، وخلع قناع التذلّل.
ألا ترون كيف صغّره الله بتكبيره ، ووضعه بترفّعه ، فجعله في الدنيا مدحوراً ، وأعدّ له في الآخرة سعيراً ، فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس ؛ إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ـ وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لايدرى أمن سنيّ الدنيا أم من سنيّ الآخرة ـ عن كبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته ...».
الثاني : «فاحذروا عباد الله! أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزّكم بندائه ... ألا وقد أمعنتم في البغي ، وأفسدتم في الإرض ، مصارحة لله بالمناصبة ، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة ، فالله الله في كبر الحمية ، وفخر الجاهلية ... ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم! الّذين تكبّروا عن حسبهم ، وترفّعوا فوق نسبهم ، وألقَوْا الهجينة على ربّهم ـ أي قبحوا فعل ربّهم ـ وجاحدوا الله على ما صنع بهم ؛ مكابرة لقضائه ، ومغالبة لآلائه ، فإنّهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف عنزاء الجاهلية ، فاتقوا الله ... ولا تطيعوا الأدعياء الّذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحّتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقّكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ،
____________
(١) سورة ص ٣٨ : ٧١ ـ ٧٤.