تنامي نفوذ الإمام الصادق عليه السلام في المسلمين ، ومثله الحال في بقية فقهائهم ..
قال الحافظ ابن عبد البرّ : «إنّ محمّد بن سعد قال : سمعت مالك ابن أنس يقول : لمّا حجّ أبو جعفر المنصور دعاني ، فدخلت عليه فحادثته ، وسألني فأجبته ، فقال : إنّي عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعت (يعني الموطّأ) فتنسخ نسخاً ثمّ أبعث إلى كلّ مصر من أمصار المسلمين منها نسخة ، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوها إلى غيرها! فإنّي رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم» (١).
وقد ذكر هذه الحادثة ابن قتيبة الدينوري ، وذكر دخول أكثر فقهاء العامّة على المنصور ، كسفيان الثوري ، وابن ابي ذؤيب ، وابن سمعان ، وأنّ المنصور خطب فيهم ثمّ قسّم عليهم أموالاً ، وأنّ بعضهم أخذها ، ومنهم مالك ، وأنّ المهدي العبّاسي أمر لمالك بأربعة آلاف دينار مكافأة على كتابه الموطّأ ، ولابنه بألف دينار ، وأنّ هارون بالغ في الحفاوة به أيضاً (٢).
فبدون ولاية وطاعة المعصوم لا سبيل للنجاة من الفُرقة ؛ إذ الأهواء المتّبعة مدعاة للفُرقة ، والجهل والجهالات المتفشّـية هي الأُخرى موجبة لاختلاف القول والرأي ، وبالتالي اختلاف الكلمة ..
وتوحيد الكلمة الذي هو مظهر التوحيد الإلهي لا يتحقّق إلاّ بإمامة أهل البيت عليهم السلام ؛ وذلك لأنّ توحيد الله تعالى على مقامات ومواطن ، فمنه توحيد الذات والصفات والأفعال ، والتوحيد في العبادة بالإخلاص ، والتوحيد في التشريع وهو النبوّة ، والتوحيد في الغاية وهي المعاد ،
____________
(١) كتاب الانتقاء : ٤١.
(٢) انظر : الإمامة والسياسة : ١٩٣ ، ١٩٥ ، ٢٠٣ ، ٢٠٨.