قال المزّي : «وقال أبو العبّاس ابن عقدة ـ وذكر المزّي السند إلى حسن بن زياد ، يقول ـ : سمعت أبا حنيفة وسأله : من أفقه من رأيت؟ فقال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ..
لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من مسائلك الصعاب. قال : فهيأت له أربعين مسألة.
ثمّ بـعث إليّ أبـو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر. فسلّمت ، وأذن لي ، فجلست.
ثمّ التفت إلى جعفر فقال : يا ابا عبد الله! تعرف هذا؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة. ثمّ أتبعها : قد أتانا (١).
ثمّ قال : يا أبا حنيفة! هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله.
وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ونحن نقول كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعا ، حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أحزم منها مسألة.
ثمّ قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس» (٢).
فها أنّك ترى أنّ أبا حنيفة يستخدمه الخليفة العبّاسي آلة طيّعة ليقابل
____________
(١) الظاهر أنّ المراد : تتلمذ عندنا ، كما ذكر ذلك المزّي أيضا في تهذيب الكمال : أنّ أبا حنيفة تتلمذ عنده عليه السلام.
(٢) تهذيب الكمال ٥ / ٧٩.