المضروب عليكم بأحكام الجاهلية ، فإنّ الله سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأُمّة في ما عقد بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلّها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ؛ لأنّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ خطر.
واعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعراباً ، وبعد الموالاة أحزاباً ، ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه ، ولا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه ، تقولون : النار ولا العار! كأنّكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه انتهاكاً لحريمه ، ونقضاً لميثاقه الذي وضعه الله لكم ، حرماً في أرضه ، وأمناً بين خلقه ، وإنّكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر ، ثمّ لا جبرائيل ولاميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم إلاّ المقارعة بالسيف حتّى يحكم الله بينكم» (١).
فقوله عليه السلام : «فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته أُلفتهم ... قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم ...» إنّ منّة الله على جماعة ووحدة الأُمّة هو بتوسّط ذلك الحبل ، حبل الطاعة ، وهو حبل الأُلفة ، وإنّ في مقابل الموالاة الأحزاب ، أيّ التفرّق والفُرقة ؛ فلا نصرة لهم من الله تعالى وملائكته والمؤمنين ، كما أنّه عليه السلام أخبر الأُمّة بملحمة مستقبلية ، هي الملحمة القرآنية في آية الاعتصام ، أنّهم سيتفرّقون ويضعفون أمام الكفر وتكالب الأعداء وكثرة الحروب حتّى يقدّر الله تعالى النهاية ، ولعلّه إشارة إلى عصر الظهور ..
ولا يخفى الاقتباس في تعبيره عليه السلام بالحبل وإنّه الطاعة ؛ إذ تضمّن الإشارة إلى آية الاعتصام من الفرقة بحبل الله ، وأنّه طاعتهم وولايتهم.
____________
(١) نهج البلاغة : خطبة ١٩٢ ـ القاصعة.