بك الفرس». فتنبّه الأمير لنكتته البديعة ، وأنّ هذا طرده كعكسه ، فأجابه بالمثل فوراً وقال له : «دام علاء العماد» (١).
هذا ما أتخطّره من عهد بعيد ، يوم كنّا نطالع كتب الأدب أيام الصبا ، وهي في الحقّ ، لو كانت مع الفكرة وطول الرؤية ، آية في قوّة الفكر ، وحدّة الذهن ، فكيف لو صحّ أنّها على البديهة؟!
ولكن لا يذهبنّ عنك أنّ البراعة في الآية الشريفة ، وعلوّ الإعجاز فيها رعاية مناسبة الجملة للموضوع ..
فإنّ الموضوع لمّا كان هو الكوكب الذي يتحرّك في فلكه ومداره حركة مستديرة ، ولازمها أن تعود إلى مبدئه ، ويدور على نفسه ، وطرده كعكسه ؛ فالموضوع معنىً موضوع لا يستحيل بالانعكاس ؛ فناسب أن يعبّر عنه بجملة : «لا يستحيل بانعكاس» كنفس المعنى والموضوع.
وهذه النكتة غاية في الإعجاز والروعـة ، ولم يلتفت إليها أحد من الأُدباء والمفسّرين.
ونعود إلى ما كنّا فيه ، فنقول : تلك لمحة من حال أرضنا ونظامنا الشمسي ، أمّا الثوابت عند أهل هذه الهيئة ، فهي شموس أيضاً في الفضاء ، ولكلّ واحد منها أقمار وأراضي ، وتوابع وأنظمة ، وكلّ واحدة من تلك
____________
ولد سنة ٥١٩ هـ بأصبهان ، كان فقيهاً شافعي المذهب ، قدم بغداد ، وتفقّه بالمدرسة النظامية ، وبرع في الفقه على أبي منصور سعيد بن الرزّاز ، وأتقن العربية.
اشتهر ذكره ، وصنّف التصانيف ، منها : خريدة القصر وجريدة العصر ، البرق الشامي ، الفتح القسّي في الفتح القدسي ، السيل والذيل ، ونصرة الفترة.
توفّي في أوّل رمضان سنة ٥٧٧ هـ ، ودفن بمقابر الصوفية.
انظر : وفيات الأعيان ٥ / ١٤٧ ـ ١٥٢ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٨.
(١) سير أعلام النبلاء ٢١ / ٣٤٧.