إلى أن قال الإمام : كم تستقي الشمس من اللوح المحفوظ؟ (١).
فإنّ النور لمّا كان ألطف وأخفّ من الماء ، ويجري أشدّ من جريانه ؛ فإنّه يطوي في اللحظة الواحدة ملايين من ملايين من الأميال ، حسن جدّاً التعبير عن إفاضته على الأجسام الفاقدة له بـ : السقي والاستقاء.
وفي هذا الخبر معانٍ عميقة ، وأسرار دقيقة لا مجال لذكرها هنا ، وإنّما الغرض الإشارة إلى بلاغة التعبير بالسقي هنا ، ومناسبته للمقام ، وأبلغ وأعلى منه كلمة القرآن المجيد عن دوران الكواكب في مداراتها وحركاتها في أفلاكها بقوله عزّ من قائل : (كلّ في فلك يسبحون) (٢).
فإنّ هذا الفضاء غير المتناهي ، أو الذي لم تصل عقول البشر إلى منتهاه ، لمّا كان مملوءاً بالأثير ، أو بما هو أشفّ وألطف منه ، وهو أرقّ من الماء ، أشبه أن يكون كالبحر المتلاطم ، والكواكب في جريانها وحركاتها تسبح فيه ، وتشقّ عبابه.
وها هنا نكتة بديعة ، وهي : إنّ هذه الجملة الصغيرة لفظاً ، العظيمة مغزىً ، تضمّنت نوعاً من ألطف أنواع البديع ، وهو : «ما لا يستحيل بالانعكاس».
وألطف مثال له : النادرة المشهورة في كتب الأدب ، وهي : إنّ العماد الكاتب (٣) التقى ببعض أُمراء عصره راكباً فرساً ، فقال له بديهة : «سر فلا كبا
____________
(١) فرج المهموم ـ لابن طاووس ـ : ٩٨ ، مستدرك الوسائل ١٣ / ١٠١ ح ١٤٨٩٣.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٣٣.
(٣) هو : القاضي الإمام العلاّمة المفتي المنشئ البليغ ، الوزير عماد الدين أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن حامد بن محمّد بن عبد الله بن عليّ بن محمـود بن هبة الله المعروف بـ : ألُهْ الأصبهاني ، الكاتب ، ويعرف بـ : ابن أخي العزيز.