أن يسـمعوها بصـيغة المفـرد ؛ إذ لا يـبقى لهم حـينئذ مطمع في تمويـه ، ولا ملتمس في التضليل ، فيكون منهم ـ بسبب يأسهم ـ حينئذ ما تُخشى عواقبه على الإسلام ، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتّقاءً من معرّتهم ، ثمّ كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ومقامات متعدّدة ، وبثّ فيهم أمر الولاية تدريجاً تدريجاً حتّى أكمل الله الدين وأتمّ النعمة ، جرياً منه صلّى الله عليه وآله وسلّم على عادة الحكماء في تبليغ الناس مايشـقّ عليهم ، ولو كانت الآية بالعبارة المختصّة بالمفرد ، لـ (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصّروا واستكبروا استكباراً) (١).
وهذه الحكمة مطردة في كلّ ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين ، كما لا يخفى.
وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعة والبراهين الساطعة في كتابينا : سبيل المؤمنين وتنزيل الآيات.
والحمد لله على الهداية والتوفيق.
السياق دالّ على إرادة المحبّ؟!
إنّ الآية بحكم المشاهدة مفصولة عمّا قبلها من الآيات الناهية عن اتّخاذ الكفّار أولياء ، خارجة عن نظمها ، إلى سياق الثناء على أمير المؤمنين وترشيحه ـ للزعامة والإمامة ـ بتهديد المرتدّين ببأسه ، ووعيدهم بسطوته ؛ وذلك لأنّ الآية التي قبلها بلا فصل إنّما هي قوله تعالى : (يا أيها الّذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون
____________
(١) سورة نوح ٧١ : ٧.