فأطلق الله سبحانه عليه وهو مفرد لفظ : «الناس» ، وهي للجماعة ؛ تعظيماً لشأن الّذين لم يصغوا إلى قوله ، ولم يعبأوا بإرجافه.
وكان أبو سفيان أعطاه عشراً من الإبل على أن يثبّط المسلمين ويخوّفهم من المشركين ، ففعل ، وكان ممّا قال لهم يومئذ : (إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) (١) ، فكره أكثر المسلمين الخروج بسبب إرجافه ، لكنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج في سبعين فارساً ، ورجعوا سالمين ، فنزلت الآية ثناءً على السبعين الّذين خرجوا معه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، غير مبالين بإرجاف من أرجف.
وفي إطلاق لفظ الناس هنا على المفرد نكتة شريفة ؛ لأنّ الثناء على السبعين الّذين خرجوا مع النبيّ يكون بسببها أبلغ ممّا لو قال : الّذين قال لهم رجل : إنّ الناس قد جمعوا لكم ، كما لا يخفى.
ولهذه الآية نظائر في الكتاب والسُـنّة وكلام العرب ؛ قال الله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمتَ الله عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم) (٢) ..
وإنّما كان الذي بسط يده إليهم رجل واحد من بني محارب يقال له : غورث ، وقيل : إنّما هو عمرو بن جحاش ، من بني النضير ، استلّ السيف فهزّه وهمّ أن يضرب به رسول الله ، فمنعه الله عزّ وجلّ عن ذلك ، في قضية أخرجها المحدّثون وأهل الأخبار والمفسّرون ، وأوردها ابن هشام في غزوة ذات الرقاع من الجزء ٣ من سيرته.
وقد أطلق الله سبحانه على ذلك الرجل ، وهو مفرد لفظ : «قوم» ،
____________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٧٣.
(٢) سورة المائدة ٥ : ١١.