فمشىٰ حتّىٰ انتهىٰ إلىٰ باب امرأة كانت أمّ ولد للأشعث ، فزوّجها أسيداً الحضرمي فولدتْ له بلالاً ، وكان بلال خرج مع الناس وأُمّه قائمة تنتظره ؛ فسلّم مُسلم عليها ، وقال لها : يا أَمَة الله ! اسقني ماء .
فدخلت فسقتْهُ ، فجلس إليها ؛ فقالت : يا عبد الله ! اذهب إلىٰ أهلك .
فسكت . ثمّ عادت ، فسكت ، فقالت : يا سبحان الله ! ما يحسن لك الجلوس علىٰ بابي ، قم انصرف .
فقال : يا أمَةَ الله ! ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك في أجرٍ ومعروفٍ ، فلعلّي أُكافيكِ به بعد اليوم ؟
فقالت : وما ذلك ؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني .
قالت : ادخل .
ولم يكن بأسرع أن جاء ابنها ، فقالت : يا بنيّ ! مكرمةٌ وافَتْك . وأخذَتْ عليه الأيْمان أن لا يخبر أحداً ، فحَلَفَ . وأخبرتْه الخبر وٱضطجع وسكت .
وأخذ ابن زياد يتجسّس خبر مسلم ، فلا يحسّ له ولا لأصحابه صوتاً ، فأمر بفتح الباب الذي في السُدّة وخرج منه حتّىٰ دخل المسجد الجامع ونادىٰ : برئت الذمّة من رجلٍ من الشرطة والعُرَفاء والمناكب والمقاتلة صلّىٰ العتمة إلّا في المسجد . فلم يكن إلّا ساعة حتّىٰ امتلأ المسجد ، فصلّىٰ بالناس ثمّ قال :
إنّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتىٰ ما رأيتم من الشقاق والخلاف ؛ فبرئت الذمّة من رجل وجدناه في داره ، ومن جاءنا به فله ديته . .