كُثيّر بن شهاب الحارثي ، فأمره بأن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيخذّل الناس عن مسلم ويخوّفهم عقوبة السلطان وغائلة أمرهم (١) .
وأمر محمّد بن الأشعث بمثل ذلك ، ممّن أطاعه من كندة ، وأن يرفع راية الأمان لمن جاءه من الناس .
وأشرف الباقون من القصر ونادوا الناس : الحقوا بأهاليكم ولا تعجّلوا الشرّ ولا تتعرّضوا للقتل ؛ فإنّ أمير المؤمنين قد بعث جنوده من الشام ، وقد أعطىٰ الله الأمير عهداً لئن تممتم (٢) علىٰ حربكم ولم تنصرفوا من عشيّكم (٣) أن يحْرم ذرّيّتكم العطاء وأن يأخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب (٤) .
فأخذ الناس لمّا سمعوا هذا وأشباهه يتفرّقون (٥) ، وكانت المرأة تأتي إلىٰ ابنها وأخيها وتقول : انصرف ، فإنّ الناس يكفونك . ويقول الرجل لابنه ولأخيه : غداً تأتيكم جنود الشام فما تصنعون ؟! فينصرف به .
فما زال الناس يتفرّقون حتّىٰ أمْسىٰ مُسْلم وليس معه إلّا ثلاثون نفراً ، فصلّىٰ بهم مسلم ، فلمّا رأىٰ أنّه أمسىٰ وليس معه إلّا هؤلاء خرج متوجّهاً نحو كندة ، فما بلغ أبواب المسجد إلّا ومعه عشرة ، ثمّ خرج من الباب فإذا ليس معه اثنان ، ثمّ التفت فإذا ليس معه من يدلّ علىٰ الطريق ولا من يواسيه بنفسه إن اعترض له عدوّ ، فبقي متلدّداً في أزقّة الكوفة لا يدري أين يمرّ !
__________________
(١) كذا في الأصل ؛ والمحتمل : وغاية أمرهم .
(٢) في تاريخ الطبري : أتممتم .
(٣) لعلّها : عشيّتكم .
(٤) تاريخ الطبري ٥ / ٣٧٠ .
(٥) في تاريخ الطبري : ينصرفون .