يضرب وجهه وأنفه وجبينه حتّىٰ نثر لحم خدّيه وهشم أنفه وتلوّىٰ هانئ وضرب بيده إلىٰ قائم سيف شرطيٍّ ممّن حضر ، فمانعه الرجل ، وقال عبيد الله : أحروريٌّ سائر اليوم ؟! حلّ لنا قتلك .
فقال أسماء بن خارجة : أمرتنا أن نجيء بالرجل حتّىٰ إذا جئناك به فعلتَ به ما نرى وزعمت أنّك تقتله ؟!
فقال عبيد الله : إنّك ههنا . وأمر به فَلُهِزَ وتُعْتِع ساعة ، ثمّ تُرِك ، فجلس (١) ، وأمر بهانئ فجعل في بيت ووكّل به من يحرسُهُ ، فبلغ ذلك مَذحِجاً فأقبلت إلىٰ القصر ، فقيل لعبيد الله : هذه مذحج وقد اجتمعت بالباب !
فقال لشريح القاضي ، ادخل إلىٰ صاحبهم فانظر إليه ، ثمّ اخرج إليهم وأعْلِمهم أنّه حيٌّ سالم . وإنّما عاتبه كما يعاتب الأمير رعيّته ، فانصرفوا .
وبَلَغ مُسْلماً ما جرىٰ ؛ فأمر أن ينادي بشعار « يا منصور أمِت » ، وكان بايعه ثمانية عشر ألفاً ، وحوله منهم أربعة آلاف ؛ فاجتمعوا إليه وأقبل القصر (٢) ؛ فتحرّز عبيد الله وغلّق الأبواب ، وأحاط مسلم بالقصر ، وٱمْتلأ المسجد والسوق ، وما زالوا يتوثّبون حتّىٰ المساء (٣) .
وضاق بعبيد الله الأمر وكان أكبر همّه أن يمسك باب القصر ، وليس في القصر معه إلّا ثلاثون رجلاً من الشُرَط وعشرون من أشراف الناس .
ففتح عبيد الله الباب الذي يلي الروميّين ليدخل إليه من يأتيه ، ودعا
__________________
(١) في تاريخ الطبري ٥ / ٣٦٧ : فأمر به فَلُهِز وتُعْتع به ، ثمّ ترك فحبس . والتعتعة : الحركة العنيفة .
(٢) في تاريخ الطبري ٥ / ٣٦٩ : عن عبّاس الجدلي : خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف ، فما بلغنا القصر إلّا ونحن ثلاثمائة .
(٣) في تاريخ الطبري ٥ / ٣٧٠ : يثوّبون حتّىٰ المساء .