قال : بلىٰ قد فعلْتَ .
قال : ما فعلتُ .
فلمّا كثر الكلام في ذلك ويأبىٰ هانئ إلّا مجاحدة ، دعا عبيد الله ذلك الدسيس الذي دسّه وكان افتتن بهم ويدخل إليهم ، فقال لهانئ : أتعرف هذا الرجل ؟!
فعلم هانئ أنّه كان عَيْناً عليهم ، فسقط في يده ، ثمّ راجعتْه نفسه ، فقال : اسمع أيّها الأمير ! فإنّي والله الذي لا إله إلّا هو أصدقك ؛ ما دعوتُهُ ولكن نزل علَيّ فاستحييْتُ من ردّه ولَزِمني ذمامُهُ ، فأدخلتُه داري وأضفته ، فإن شئْتَ أعطيتك الآن موثقاً وما تطمئنّ إليه أنّي لا أبغيك سوءاً ولا غائلة ، وإن شئتَ أعطيْتُكَ رهينة في يدك حتّىٰ أنطلق إليه وآمره أن يخرج من داري إلىٰ حيث شاء من الأرض ، فأخرُجَ من ذمامه .
قال : والله لا تفارقني حتّى تأتيني به .
فقال : لا والله لا أجيئك به أبداً ، أنا أجيئك بضيفي حتّىٰ تقتلَهُ ؟!
قال : والله لتأتينّي به (١) .
وقام الناس إليه يناشدونه في نفسه ويقولون : إنّه سلطانٌ وليس عليك في دفعه إليه عارٌ ولا نقصة .
فقال : بلىٰ والله علَيّ في ذلك العار والخزي ، أدفع ضَيفي وجاري إلىٰ قاتله وأنا صحيح أسمع وأرىٰ ، شديد الساعد وكثير الناصر ؟!
قال عبيد الله : ادْنوه منّي . فأُدني منه وله ضفيرتان قد رجّلهما ، فأمر بضفيرتيه ، فأمسك بهما وٱستعرض وجهه بقضيب في يده ، فلم يزل
__________________
(١) راجع : تاريخ الطبري ٥ / ٣٦٦ ـ ٣٦٥ .