ثمّ لا يزالون يكتبون بذلك حتّىٰ جمع عنده خرجين مملوءين من كتبهم في ذلك ، واجتمعت الرسلُ عند الحسين وقرأ الكتب ، وكتب أجوبتهم .
وأنفذ مسلم بن عقيل بن أبي طالب مع الرسل ، وقال له : اعرف أحوال الناس ، فانظر ما كتبوا به ؛ فإن كان صحيحاً قد اجتمع عليه رؤساءهم وتابعَهم من يوثَق به ، خرجنا إليهم .
فسار مسلم إلىٰ الكوفة ، والعامل بها حينئذ النعمان بن بشير الأنصاري من قِبَل يزيد ؛ فلمّا حصل عندهم دَبّوا إليه (١) ، وبايعه منهم اثني عشر ألف .
فقام عبد الله بن مُسْلم الحضرمي إلىٰ النعمان بن بشير ، فقال له : أنت ضعيفٌ أو متضعّف ، فسدْتَ البلاد وليس يصلح ما ترىٰ إلّا الغَشْم (٢) .
فقال النعمان : لإن أكون ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحبُّ إليّ من أن أكون قويّاً وأنا في معصية الله ، وما كنتُ لأهتك سِتْراً سَتَرُهُ الله . .
فكتب بقول النعمان إلىٰ يزيد ، وقال في الكتاب : فإن كانتْ لك حاجة في الكوفة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ويعمل بمثل عملك ؛ فإنّ النعمان ضعيف .
فلمّا قرأ يزيد كتابه شاور كاتبه سَرجون بن منصور ، فقال له : أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً ؟!
قال : نعم .
[ قال : ] فاقبل منّي ، إنّه ليس للكوفة إلّا عبيد الله بن زياد ، فَوَلّه . .
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٣٤٧ .
(٢) الغشم : الظلم .