والعتاق على أنّه لمّا يخرج من الحمّام لا يقيم بها ، فأذن له ، فدخلها وغلب عليها ، وتحصّن بها ، ولم يدخل حمّامها.
فتحصّن زفر من سليمان وأصحابه ، فأرسل سليمان المسيّب بن نجبة إلى زفر يطلب إليه أن يخرج لهم سوقاً ، فجاء المسيّب إلى باب المدينة وطلب الإذن على زفر ، فجاء هذيل بن زفر إلى أبيه ، وقال : بباب المدينة رجل حسن الهيئة اسمه المسيّب بن نجبة يستأذن عليك.
فقال له أبـوه : أما تدري ـ يا بنيّ ـ من هذا؟! هذا فارس مضر الحمراء كلّها ، إذا عدّ من أشرافها عشرة كان هو أحدهم ، وهو متعبّد ناسك له دين ، ائذن له. فلمّا دخل عليه المسيّب أجلسه إلى جانبه ، وأخبره المسيّب بما عزموا عليه.
فقال له زفر : إنّا لم نغلق أبواب المدينة إلاّ لنعلم إيّانا تريدون أم غيرنا ، وما نحبّ قتالكم ، وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة جميلة ، وأمر ابنه أن يخرج لهم سوقاً ، وأمر للمسيّب بألف درهم وفرس ، فردّ المال وأخذ الفرس ، وقال : لعلّي أحتاج إليه إذا عرج فرسي ، وبعث زفر إلى المسيّب وسليمان كلّ واحد عشرين جزوراً ، وإلى عبـد الله بن سعد وعبـد الله بن وأل ورفاعة كلّ واحد عشرة جزر ، وبعث إلى العسكر بخبز كثير وعلف ودقيق وجمال ، وقال : انحروا منها ما شئتم ، حتّى استغنى الناس عن السوق إلاّ أن كان الرجل يشتري سوطاً أو ثوباً.
ثمّ ارتحلوا من الغد وخرج إليهم زفر يشيّعهم ، وقال لسليمان : إنّه خرج خمسة أُمراء من الرقّة ، منهم : عبيد الله بن زياد في عدد كثير مثل الشوك والشجر. وعرض عليهم أن يدخلوا المدينة وتكون يدهم واحدة ، فإذا جاء العدوّ قاتلوهم جميعاً.