بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الإسراء
هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات ، قوله عزوجل : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣] ، وقوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) [الإسراء : ٧٦] ، نزلت حين جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد ثقيف ، وحين قالت اليهود ليس هذه بأرض الأنبياء ، وقوله عزوجل : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) [الإسراء : ٨٠] ، وقوله عزوجل : (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] ، وقال مقاتل وقوله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) [الإسراء : ٨٥] ، قال ابن مسعود في بني إسرائيل والكهف ، إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي يريد أنهن من قديم كسبه.
قوله عزوجل :
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(١)
لفظ الآية يقتضي أن الله عزوجل أسرى بعبده ، وهو محمد عليهالسلام ، ويظهر أن (أَسْرى) هي هنا معداة بالهمزة إلى مفعول محذوف تقديره ، أسرى الملائكة بعبده ، وكذلك يقلق أن يسند (أَسْرى) وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى ، إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل ، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة ، فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله في الحديث «أتيته سعيا ، وأتيته هرولة» حمل ذلك بالتأويل على الوجه المخلص من نفي الحوادث ، و (أَسْرى) في هذه الآية تخرج فصيحة كما ذكرنا ولا تحتاج إلى تجوز قلق في مثل هذا اللفظ ، فإنه ألزم للنقلة من أتيته و (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) [النحل : ٢٦] ويحتمل أن يكون (أَسْرى) بمعنى سرى على حذف مضاف كنحو قوله تعالى (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] ووقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث ، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه ، وذكر النقاش عمن رواه عشرين صحابيا ، فروى جمهور الصحابة وتلقى جل العلماء منهم أن الإسراء كان بشخصه صلىاللهعليهوسلم ، وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه ، وروى حذيفة وغيره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم ينزل عن البراق في بيت المقدس ولا دخله ، قال حذيفة ولو صلى فيه لكتبت عليكم الصلاة فيه ، وأنه ركب البراق بمكة ولم ينزل عنه حتى انصرف إلى بيته ، إلا في صعوده إلى السماء ، وقالت عائشة ومعاوية إنما أسري