قال القاضي أبو محمد : ووقع في مسند ابن سنجر أن هذا الحديث إنما ورد في رجل زنا بامرأة رجل آخر ثم تمكن الآخر من زوجة الثاني بأن تركها عنده وسافر ، فاستشار الرجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» ، ويتقوى في أمر المال قول مالك رحمهالله ، لأن الخيانة لاحقة في ذلك وهي رذيلة لا انفكاك عنها ، ولا ينبغي للمرء أن يتأسى بغيره في الرذائل ، وإنما ينبغي أن تتجنب لنفسها ، وأما الرجل يظلم في المال ثم يتمكن من الانتصاف دون أن يؤتمن فيشبه أن ذلك له جائز يرى أن الله حكم له كما لو تمكن له بالحكم من الحاكم ، وقوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) الآية ، هذه العزيمة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصبر عن المجازاة في التمثيل بالقتلى ، قال ابن زيد : هذه الآية منسوخة بالقتال وجمهور الناس على أنها محكمة ، ويروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «أما أنا فأصبر كما أمرت فماذا تصنعون؟» ، قالوا : نصبر يا رسول الله كما ندبنا ، وقوله : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي بمعونة الله وتأييده لك على ذلك ، والضمير في قوله (عَلَيْهِمْ) قيل يعود على الكفار أي لا تتأسف على أن لم يسلموا ، وقالت فرقة : بل يعود على القتلى : حمزة وأصحابه الذين حزن عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والأول أصوب يكون عود الضمير على جهة واحدة ، وقرأ الجمهور في «ضيق» بفتح الضاد ، وقرأ ابن كثير في «ضيق» بكسر الضاد ورويت عن نافع وهو غلط ممن رواه ، قال بعض اللغويين : الكسر والفتح في الضاد لغتان في المصدر وقال أبو عبيدة : الضيق مصدر والضّيق مخفف من ضيّق كميت وميت ، وهين وهيّن ، قال أبو علي الفارسي : والصواب أن يكون الضيق لغة في المصدر لأنه إن كان مخففا من ضيّق لزم أن تقام الصفة مقام الموصوف ، وليس هذا موضع ذلك.
قال القاضي أبو محمد : الصفة إنما تقوم مقام الموصوف إذا تخصص الموصوف من نفس الصفة ، كما تقول رأيت ضاحكا فإنما تخصص الإنسان ، ولو قلت : رأيت باردا لم تحسن ، وببارد مثل سيبويه رحمهالله «وضيق» لا يخصص الموصوف ، وقال ابن عباس وابن زيد : إن ما في هذه الآية من الأمر بالصبر منسوخ ، وقوله : (مَعَ الَّذِينَ) أي بالنصر والمعونة والتأييد ، و (اتَّقَوْا) يريد المعاصي ، و (مُحْسِنُونَ) معناه يتزيدون فيما ندب إليه من فعل الخير.
كمل تفسير سورة النحل بعون الله وتأييده
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم