اعتراضا في الكلام مخاطبة لمحمد صلىاللهعليهوسلم. ويجيء جميع هذا ستة معان ، ويجوز التعلق في هذا الوجه «بقال».
ومعنى (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي ما ثم شيء تستحقون به الاتباع والطاعة. ثم قال: (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فيحتمل أنهم خاطبوا نوحا ومن آمن معه من قومه ، أي أنتم كاذبون في تصديقكم هذا الكاذب ، وقولكم إنه نبي مرسل.
قوله عزوجل :
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٣٠)
هذه الآية كأنه قال : أرأيتم إن هداني الله وأضلكم أأجبركم على الهدى وأنتم كارهون له معرضون عنه ، واستفهامه في هذه الآية أولا وثانيا على جهة التقرير. وعبارة نوح عليهالسلام كانت بلغته دالة على المعنى القائم بنفسه ، وهذا هو المفهوم من هذه العبارة العربية ، فبهذا استقام أن يقال كذا وكذا ، إذ القول ما أفاد المعنى القائم بنفسه.
وقوله (عَلى بَيِّنَةٍ) أي على أمر بيّن جلي ، والهاء في (بَيِّنَةٍ) للمبالغة كعلامة ونسابة ، و «إيتاؤه الرحمة» هو هدايته للبيّنة ، والمشار إليه بهذا كله النبوءة والشرع ، وقوله (مِنْ عِنْدِهِ) تأكيد ، كما قال : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] ، وفائدته رفع الاشتراك ولو بالاستعارة.
وقرأ جمهور الناس «فعميت» ولذلك وجهان من المعنى :
أحد هما : خفيت ، ولذلك يقال للسحاب العماء لأنه يخفي ما فيه ، كما يقال له : الغمام لأنه يغمه ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «كان الله قبل أن يخلق الأشياء في عماء».
والمعنى الثاني : أن تكون الإرادة : فعميتم أنتم عنها ، لكنه قلب ، كما تقول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي ، ومنه قول الشاعر : [الطويل]
ترى النور فيها مدخل الظل رأسه |
|
وسائره باد إلى الشمس أجمع |
قال أبو علي : وهذا مما يقلب إذ ليس فيه إشكال وفي القرآن : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧] وقرأ حفص وحمزة والكسائي «فعمّيت» بضم العين وشد الميم على بناء الفعل للمفعول وهذا إنما يكون من الإخفاء ؛ ويحتمل القلب المذكور.