و (الْمَلَأُ) الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه ، ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادّون مسدّه في الآراء والأمور ، وكل جماعة كبيرة ملأ.
ولما قال لهم نوح : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ ...) قالوا : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ...) أي والله لا يبعث رسولا من البشر ، فأحالوا الجائز على الله تعالى.
و «الأراذل» جمع أرذل ، وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال : أراذيل ؛ وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها. وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له ، ولا يبالى ما يقول ولا ما يقال له.
وقرأ الجمهور «بادي الرأي» بياء دون همز ، من بدا يبدو ، ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلا ، وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي «بادىء الرأي» بالهمز من بدأ يبدأ.
قال القاضي أبو محمد : وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر ، فتركت التطويل ببسطه ، والعرب تقول : أما بادىء بدء فإني أحمد الله ، وأما بادي بدي بغير همز فيهما ، وقال الراجز : [الرجز]
أضحى لخالي شبهي بادي بدي |
|
وصار للفحل لساني ويدي |
وقال الآخر : وقد علتني ذرأة بادي بدي.
وقرأ الجمهور بهمز «الرأي» وقرأ أبو عمرو بترك همزه. (بادِيَ) نصب على الظرف وصح أن يكون اسم الفاعل ظرفا كما يصح في قريب ونحوه ، وفعيل وفاعل متعاقبان أبدا على معنى واحد ، وفي المصدر كقولك : جهد نفسي أحب كذا وكذا.
وتعلق قوله : (بادِيَ الرَّأْيِ) يحتمل ستة أوجه :
أحدها : أن يتعلق ب (نَراكَ) بأول نظر وأقل فكرة ، وذلك هو (بادِيَ الرَّأْيِ) ، أي إلا ومتبعوك أراذلنا.
والثاني : أن يتعلق بقوله : (اتَّبَعَكَ) أي ، وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ؛ ثم يحتمل على هذا قوله : (بادِيَ الرَّأْيِ) معنيين :
أحدهما : أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم وعسى أن بواطنهم ليست معك.
والثاني : أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادي دون تعقب ولو تثبتوك لم يتبعوك. وفي هذا الوجه ذم الرأي الغير المروي.
والوجه الثالث : من تعلق قوله (بادِيَ الرَّأْيِ) أن يتعلق بقوله : (أَراذِلُنا) أي الذين هم أراذلنا بأول نظر فيهم ، ويبادي الرأي يعلم ذلك منهم ، ويحتمل أن يكون قولهم : (بادِيَ الرَّأْيِ) وصفا منهم لنوح ، أي تدعي عظيما وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك ، ونصبه على الحال وعلى الصفة ، ويحتمل أن يكون