والأول أصح ، وما حكى المهدوي ضعيف ، ويحتمل أن يكون (وَلا يُؤْمِنُونَ) في موضع الحال ، أي : غير مؤمنين ، فتكون الواو واو الحال. و «القرين» : فعيل بمعنى فاعل ، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب ، وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد ، والإنسان كله يقارنه الشيطان ، لكن الموفق عاص له ، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان ، وقيل للحبل الذي يشدان به : قرن ، قال الشاعر : [البسيط]
كمدخل رأسه لم يدنه أحد |
|
بين القرينين حتّى لزّه القرن |
|
فالمعنى : ومن يكن الشيطان له مصاحبا وملازما ، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته ، و (قَرِيناً) نصب على التمييز ، والفاعل ل «ساء» مضمر ، تقديره ساء القرين قرينا ، على حد بئس ، وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] وذلك مردود ، لأن (بَدَلاً) حال ، وفي هذا نظر.
وقوله تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ) «ما» رفع بالابتداء ، و «ذا» صلة ، و (عَلَيْهِمْ) خبر الابتداء ، التقدير : وأي شيء عليهم؟ ويصح أن تكون «ما» اسما بانفرادها ، و «ذا» بمعنى «الذي» ابتداء وخبر ، وجواب «لو» في قوله : ماذا فهو جواب مقدم.
قال القاضي أبو محمد : وكأن هذا الكلام يقتضي أن الإيمان متعلق بقدرتهم ومن فعلهم ، ولا يقال لأحد : ما عليك لو فعلت إلا فيما هو مقدور له ، وهذه شبهة للمعتزلة ، والانفصال عنها أن المطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان ، وأما الاختراع فالله المنفرد به ، وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم ، واستدعاء جميل يقتضي حيطة وإشفاقا (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) إخبار يتضمن وعيدا ، وينبه على سوء تواطئهم ، أي : لا ينفعهم كتم مع علم الله تعالى بهم.
قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٤٠)
(مِثْقالَ) مفعال من الثقل ، و «الذرة» : الصغيرة الحمراء من النمل ، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول ، لأنها تصغر وتجري كما تفعل الأفعى ، تقول العرب : أفعى جارية ، وهي أشدها ، وقال امرؤ القيس : [الطويل]
من القاصرات الطّرف لو دبّ محول |
|
من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا |
فالمحول الذي أتى عليه حول. وقال حسان : [الخفيف]
لو يدبّ الحوليّ من ولد ألذ |
|
ر عليها لأندبتها الكلوم |
وعبر عن الذرة يزيد بن هارون «بأنها دودة حمراء» ، وهي عبارة فاسدة ، وروي عن ابن عباس :
«الذرة» رأس النملة ، وقرأ ابن عباس «إن الله لا يظلم مثقال نملة» و (مِثْقالَ) مفعول ثان ل (يَظْلِمُ) ، والأول مضمر التقدير ، أن الله لا يظلم أحدا مثقال و (يَظْلِمُ) لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد ، وإنما عدي هنا