آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (٣٩)
قالت فرقة (الَّذِينَ) في موضع نصب بدل من (مِنْ) ، في قوله (مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) [النساء : ٣٦] ومعناه على هذا : «يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس» يعني إخوانهم ، ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالأموال ، فلا تنفق في شيء من وجود الإحسان إلى من ذكر ، (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، يعني : من الرزق والمال ، فيجيء على هذا أن الباخلين منفية عنهم محبة الله ، والآية إذا في المؤمنين ، فالمعنى : أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمى ، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم من المؤمنين ، وأما الكافرون فإنه أعد لهم (عَذاباً مُهِيناً) ، ففضل توعد المؤمنين من توعد الكافرين ، بأن جعل الأول عدم المحبة ، والثاني (عَذاباً مُهِيناً) ، وقالت فرقة : (الَّذِينَ) ـ في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره بعد قوله (مِنْ فَضْلِهِ) معذبون أو مجازون أو نحوه ، وقال الزجّاج : الخبر في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) [النساء : ٤٠] وفي هذا تكلف ما ، والآية على هذا كله في كفار ، وقد روي : أنها نزلت في أحبار اليهود بالمدينة ، فإنهم بخلوا بالإعلام بصفة محمد عليهالسلام ، وبما عندهم من العلم في ذلك ، وأمروا الناس بالبخل على جهتين ، بأن قالوا لأتباعهم وعوامهم : اجحدوا أمر محمد ، وابخلوا به ، وبأن قالوا للأنصار : لم تنفقون أموالكم على هؤلاء المهاجرين فتفتخرون عليهم؟ ونحو هذا مروي عن مجاهد وحضرمي وابن زيد وابن عباس ، وحقيقة «البخل» : منع ما في اليد ، والشح : هو البخل الذي تقترن به الرغبة فيما في أيدي الناس ، «وكتمان الفضل» هو على هذا : كتمان العلم ، والتوعد بالعذاب المهين لهم ، وقرأ عيسى ابن عمر والحسن «بالبخل» بضم الباء والخاء ، وقرأ الجمهور بضم الباء وسكون الخاء ، وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الحديد «بالبخل» بفتح الباء والخاء ، وقرأ ابن الزبير وقتادة وجماعة : بفتح الباء وسكون الخاء ، وهي كلها لغات ، (وَأَعْتَدْنا) معناه : يسرنا وأعددنا وأحضرنا ، والعتيد : الحاضر ، والمهين : الذي يقترن به خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ) الآية ـ قال الطبري : (الَّذِينَ) في موضع خفض عطف على الكافرين ، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفا على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) على تأويل : من رآه مقطوعا ورأى الخبر محذوفا ، وقال : إنها نزلت في اليهود ، ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر ، وتقديره : بعد اليوم الآخر معذبون ، وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في اليهود ، قال الطبري : وهذا ضعيف ، لأنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر ، واليهود ليسوا كذلك.
قال القاضي أبو محمد : وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام ، إذا إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان ، من حيث لا ينفعهم ، وقال الجمهور : نزلت في المنافقين ، وهذا هو الصحيح ، وإنفاقهم : هو ما كانوا يعطون من زكاة ، وينفقون في السفر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، «رياء» ودفعا عن أنفسهم ، لا إيمانا بالله ، ولا حبا في دينه (وَرِئاءَ) نصب على الحال من الضمير في (يُنْفِقُونَ) والعامل (يُنْفِقُونَ) ، ويكون قوله : (وَلا يُؤْمِنُونَ) في الصلة ، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة ، وحكى المهدوي : أن الحال تصح أن تكون من (الَّذِينَ) فعلى هذا يكون (وَلا يُؤْمِنُونَ) مقطوعا ليس من الصلة ،