إلى مفعولين بأن يقدر في معنى ما يتعدى إلى مفعولين ، كأنه قال : إن الله لا ينقص أو لا يبخس أو لا يغصب ، ويصح أن يكون نصب (مِثْقالَ) على أنه بيان وصفة لمقدار الظلم المنفي ، فيجيء على هذا نعتا لمصدر محذوف ، التقدير : إن الله لا يظلم ظلما مثقال ذرة ، كما تقول : إن الأمير لا يظلم قليلا ولا كثيرا ، أي لا يظلم ظلما قليلا ولا كثيرا ، فعلى هذا وقف (يَظْلِمُ) على مفعول واحد ، وقال قتادة عن نفسه ، ورواه عن بعض العلماء ، لأن تفضل حسناتي سيئاتي بمثقال ذرة أحب إليّ من الدنيا جميعا ، وحذفت النون من «تكن» لكثرة الاستعمال ، وشبهها خفة بحروف المد واللين ، وقرأ جمهور السبعة «حسنة» بالنصب على نقصان «كان» واسمها مضمر تقديره وإن تك زنة الذرة حسنة ، وقرأ نافع وابن كثير «حسنة» بالرفع على تمام «كان» التقدير : وإن تقع حسنة أو توجد حسنة ، و (يُضاعِفْها) جواب الشرط ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعفها» مشددة العين بغير ألف ، قال أبو علي : المعنى فيهما واحد ، وهما لغتان ، وقرأ الحسن «يضعفها» بسكون الضاد وتخفيف العين ، ومضاعفة الشيء في كلام العرب : زيادة مثله إليه ، فإذا قلت : ضعفت ، فقد أتيت ببنية التكثير ، وإذا كانت صيغة الفعل دون التكثير تقتضي الطي مرتين فبناء التكثير يقتضي أكثر من المرتين إلى أقصى ما تريد من العدد ، وإذا قلت ضاعفت فليس ببنية تكثير ، ولكنه فعل صيغته دالة على الطي مرتين فما زاد ، هذه أصول هذا الباب على مذهب الخليل وسيبويه ، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب المجاز: أن «ضاعفت» يقتضي مرارا كثيرة ، وضعفت يقتضي مرتين ، وقال مثله الطبري ومنه نقل ، ويدلك على تقارب الأمر في المعنى ما قرئ به في قوله (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] فإنه قرئ «يضاعفه ويضعفه» وما قرئ به في قوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠] فإنها قرئ «يضعف لها العذاب ضعفين» وقال بعض المتأولين : هذه الآية خص بها المهاجرون ، لأن الله أعلم في كتابه : أن الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار ، وأعلم في هذه : أنها مضاعفة مرارا كثيرة جدا حسب ما روى أبو هريرة من أنها تضاعف ألفي ألف مرة ، وروى غيره من أنها تضاعف ألف ألف مرة ، ولا يستقيم أن يتضاد الخبران ، فهذه مخصوصة للمهاجرين السابقين ، حسبما روى عبد الله بن عمر : أنها لما نزلت (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] في الناس كافة ، قال رجل : فما للمهاجرين؟ فقال ما هو أعظم من هذا (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) الآية فخصوا بهذا كما خصت نفقة سبيل الله بتضعيف سبعمائة مرة ، ولا يقع تضاد في الخبر ، وقال بعضهم : بل وعد بذلك جميع المؤمنين ، وروي في ذلك أحاديث ، وهي : أن الله عزوجل يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فينادي هذا فلان بن فلان ، فمن كان له عنده حق فليقم قال : فيحب الإنسان أن لو كان له يومئذ الحق على أبيه وابنه ، فيأتي كل من له حق فيأخذ من حسناته حتى يقع الانتصاف ، ولا يبقى له إلا وزن الذرة ، فيقول الله تعالى : أضعفوها لعبدي واذهبوا به إلى الجنة ، وهذا يجمع معاني ما روي مما لم نذكره ، والآية تعم المؤمنين والكافرين ، فأما المؤمنون فيجازون في الآخرة على مثاقيل الذر فما زاد ، وأما الكافرون فما يفعلون من خير فتقع المكافأة عليه بنعم الدنيا ويجيئون يوم القيامة ولا حسنة لهم ، و (لَدُنْهُ) معناه من عنده ، قال سيبويه : ولدن : هي لابتداء الغاية ، فهي تناسب أحد مواضع من ، ولذلك التأما ودخلت (مِنْ) عليها ، والأجر العظيم : الجنة ، قاله ابن مسعود وسعيد بن جبير وابن زيد ، والله إذا منّ بتفضله بلغ بعبده الغاية.