و (الصِّراطَ) في اللغة الطريق الواضح فمن ذلك قول جرير : [الوافر].
أمير المؤمنين على صراط |
|
إذا اعوج الموارد مستقيم |
ومنه قول الآخر : فصد عن نهج الصراط الواضح.
وحكى النقاش : «الصراط الطريق بلغة الروم».
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف جدا. واختلف القراء في (الصِّراطَ) فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء : «السراط» بالسين ، وهذا هو أصل اللفظة.
قال الفارسي : «ورويت عن ابن كثير بالصاد». وقرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الاطباق فيحسنان في السمع ، وحكاها سيبويه لغة.
قال أبو علي : روي عن أبي عمرو السين والصاد ، والمضارعة بين الصاد والزاي ، رواه عنه العريان بن أبي سفيان. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة.
قال بعض اللغويين : «ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه ، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا ، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا».
قال القاضي أبو محمد : وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي. وروي أيضا عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة.
قال ابن مجاهد : «وهذه القراءة تكلف حرف بين حرفين ، وذلك أصعب على اللسان ، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم ، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب ، إلا أن الصاد أفصح وأوسع».
وقرأ الحسن والضحاك : «اهدنا صراطا مستقيما» دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق : «اهدنا صراط المستقيم» بالإضافة وقرأ ثابت البناني : «بصرنا الصراط». واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له (الصِّراطَ) في هذا الموضع وما المراد به ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هنا القرآن» وقال جابر : «هو الإسلام» يعني الحنيفية. وقال : سعته ما بينالسماء والأرض. وقال محمد بن الحنفية : «هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره» وقال أبو العالية : «هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصاحباه أبو بكر وعمر». وذكر ذلك للحسن بن أبي الحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح.
قال القاضي أبو محمد : ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين في معتقداته ، وفي التزامه لأحكام شرعه ، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام ، وهو حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه ، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال ، فمعنى قولهم (اهْدِنَا) فيما هو حاصل عندهم طلب التثبيت والدوام ، وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه. وأقول إن كل داع به فإنما يريد (الصِّراطَ) بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته ، فيحسن على هذا أن يدعو في الصراط على الكمال من عنده بعضه ولا يتجه أن يراد ب (اهْدِنَا) في