هذه الآية اخلق الإيمان في قلوبنا ، لأنها هداية مقيدة إلى صراط ولا أن يراد بها ادعنا ، وسائر وجوه الهداية يتجه ، و (الصِّراطَ) نصب على المفعول الثاني ، و (الْمُسْتَقِيمَ) الذي لا عوج فيه ولا انحراف ، والمراد أنه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح ، ودخول الجنة ، وإعلال مستقيم أن أصله مستقوم نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وصراط الذين بدل من الأول.
وقرأ عمر بن الخطاب ، وابن الزبير : «صراط من أنعمت عليهم».
و (الَّذِينَ) جمع الذي ، وأصله «لذ» ، حذفت منه الياء للتنوين كما تحذف من عم ، وقاض ، فلما دخلته الألف واللام ثبتت الياء. و «الذي» اسم مبهم ناقص محتاج إلى صلة وعائد ، وهو مبني في إفراده وجمعه معرب في تثنيته. ومن العرب من يعرب جمعه ، فيقول في الرفع اللذون ، وكتب الذي بلام واحدة في الإفراد والجمع تخفيفا لكثرة الاستعمال ، واختلف الناس في المشار إليهم بأنه أنعم عليهم.
فقال ابن عباس وجمهور من المفسرين : إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٦ ـ ٦٩] فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم ، وهو المطلوب في آية الحمد.
وقال ابن عباس أيضا : «المنعم عليهم هم المؤمنون».
وقال الحسن بن أبي الحسن : «المنعم عليهم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم».
وحكى مكي وغيره عن فرقة من المفسرين أن المنعم عليهم مؤمنو بني إسرائيل ، بدليل قوله تعالى :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٠ ، ٤٧ ، ١٢٢].
وقال ابن عباس : «المنعم عليهم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا».
قال القاضي أبو محمد : وهذا والذي قبله سواء.
وقال قتادة بن دعامة : «المنعم عليهم الأنبياء خاصة».
وحكى مكي عن أبي العالية أنه قال : «المنعم عليهم محمد صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وعمر».
قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وقد تقدم ما حكاه عنه الطبري من أنه فسر (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بذلك ، وعلى ما حكى مكي ينتقض الأول ويكون (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) طريق محمد صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذا أقوى في المعنى ، لأن تسمية أشخاصهم طريقا تجوز ، واختلف القراء في الهاء من (عَلَيْهِمْ) ، فقرأ حمزة «عليهم» بضم الهاء وإسكان الميم ، وكذلك لديهم وإليهم. قرأ الباقون في جميعها بكسر الهاء واختلفوا في الميم.
فروي عن نافع التخيير بين ضمها وسكونها. وروي عنه أنه كان لا يعيب ضم الميم ، فدل ذلك على أن قراءته كانت بالإسكان.