ومن أنحاء اللفظة الدين الحال.
قال النضر بن شميل : «سألت أعرابيا عن شيء فقال لي لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك». ومن أنحاء اللفظة الدين الداء ، عن اللحياني وأنشد : [البسيط]
ما دين قلبك من سلمى وقد دينا
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أما هذا الشاهد فقد يتأول على غير هذا النحو ، فلم يبق إلا قول اللحياني.
وقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ).
نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله ، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك ، وقدم المفعول على الفعل اهتماما ، وشأن العرب تقديم الأهم.
ويذكر أن أعرابيا سبّ آخر فأعرض المسبوب عنه ، فقال له السابّ : «إياك أعني» فقال الآخر : «وعنك أعرض» فقدّما الأهم.
وقرأ الفضل الرقاشي : «أياك» بفتح الهمزة ، وهي لغة مشهورة وقرأ عمرو بن فائد : «إياك» بكسر الهمزة وتخفيف الياء ، وذاك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها ، وهذا كتخفيف «رب» و «إن» وقرأ أبو السوار الغنوي : «هيّاك نعبد وهيّاك نستعين» بالهاء ، وهي لغة. واختلف النحويون في (إِيَّاكَ) فقال الخليل : إيّا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف ، وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وايا الشواب. وقال المبرد : إيّا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف ، وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أنّ (إِيَّاكَ) بكماله اسم مضمر ، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره ، وحكي عن بعضهم أنه قال : الكاف والهاء والياء هي الاسم المضمر ، لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات ، فإذا تقدمت الأفعال جعل «إيّا» عمادا لها. فيقال «إياك» و «إياه» و «إيّاي» ، وإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن «ايا». وحكي عن بعضهم أن أيا اسم مبهم يكنى به عن المنصوب ، وزيدت الكاف والياء والهاء تفرقة بين المخاطب والغائب والمتكلم ، ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك وفي أرايتك زيدا ما فعل.
و (نَعْبُدُ) معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة ، والطريق المذلل يقال له معبد ، وكذلك البعير. وقال طرفة : [الطويل].
تباري عتاق الناجيات وأتبعت |
|
وظيفا وظيفا فوق مور معبد |
وتكررت (إِيَّاكَ) بحسب اختلاف الفعلين ، فاحتاج كل واحد منهما إلى تأكيد واهتمام.
و (نَسْتَعِينُ) معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا ، وهذا كله تبرؤ من الأصنام. وقرأ الأعمش وابن وثاب والنخعي : «ونستعين» بكسر النون ، وهي لغة لبعض قريش في النون والتاء والهمزة ولا يقولونها في ياء الغائب وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو فيما يأتي من الثلاثي على فعل يفعل